للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتقسيم الإيمان على هذا النحو واضح لا إشكال فيه، لكن لا يلزم منه أن يكون القسم الأول منه غير قابل للزيادة والنقصان؛ لأنه لا ريب عند أهل العلم بالكتاب والسنة أن الناس يتفاوتون في تصديقهم بالله وملائكته وكتبه ورسوله وفي غير ذلك من أمور الإيمان بحسب قوة الأدلة وضعفها وقوة التصديق وضعفه، فليس تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله كتصديق آحاد الأمة، وليس تصديق الملائكة بذلك كتصديق آحاد الناس، بل بينهم من الفرق ما الله به عليم.

ثم إن قيل إن أصل الإيمان الذي لا يتحقق الإيمان إلا به لا يقبل النقص، فما وجه عدم قبوله الزيادة، وكيف يكون قد بلغ الكامل المنجي إلا لكونه زاد، وبهذا يعلم تناقض قول هؤلاء.

ومما يبين تناقضه أيضاً وصفهم للإيمان بالكامل إذ كيف يوصف بالكامل ما لا يقبل الزيادة ولا النقص، ولهذا تحرج بعضهم من إطلاق هذه العبارة لما تتضمنه من دلالة على قول الإيمان للزيادة والنقصان. يقول الزبيدي في الإتحاف بعد أن حكى القول المتقدم: "قلت: وهو حسن، ولكن ما أعجبني تسمية القسم الأخير بالكامل، فإنه يستدعي أن يكون مقابله ناقصاً، وهو وإن كان صحيحاً في نفس الأمر لكن التعبير غير حسن، والأولى أن يعبر عنه بالإيمان الشرعي" (١).

فانظر لشدة التحرج من هذه الأسماء الشرعية "كمال الإيمان"، "نقصان الإيمان" "زيادة الإيمان وأعجب لذلك. فلم يعجبه تسمية الإيمان التام الكامل بـ"الكامل" لمناقضته لأصولهم، وإن كان صحيحاً في نفس الأمر، والله المستعان.

٣ - ومنها تأويلهم للنصوص الواردة في الزيادة بأن المراد بها الثبات والدوام على الإيمان، أي أنه يزيد بزيادة الأزمان؛ لأن التصديق عرض، والأعراض لا تبقى إلا بتجدد الأمثال. وحاصل الجواب أنه ليس المراد بالزيادة في الآيات زيادة حقيقة التصديق في نفسه بل زيادة أعداده، وهذا بالاستمرار عليه وعدم الذهول عنه، فإن الاستمرار على التصديق يوجب تجدد الأمثال وحصول أعداد كثيرة من التصديق في كل وقت (٢).قلت: قولهم هذا مبني على أن التصديق عرض من الأعراض، والأعراض عندهم لا تقبل الزيادة والنقصان وإنما الذي يقبل الزيادة والنقصان الأجسام دون الأعراض (٣).

والكلام على هذا يكون بعد معرفة حقيقة العرض ما هو: فالعرض: هو الموجود الذي يحتاج في وجوده على موضع أي محل يقوم به كاللون المحتاج إلى جسم يحله ويقوم هو به (٤).

بهذا عرفوا العرض، فالسواد والبياض وغيرهما من الألوان، والحركة والسكون وغيرهما أعراض لأنها تحتاج في وجودها إلى موضع تقوم به.


(١) ((إتحاف السادة المتقين)) (٢/ ٢٦١).
(٢) انظر ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص١٢٥)، و ((الإرشاد)) للجويني (ص٣٣٦)، و ((المسامرة شرح المسايرة)) (ص٣٧٣)، و ((البداية من الكفاية)) (ص١٥٥).
(٣) انظر ((الإيمان)) لأبي يعلى (ص٣٩٩).
(٤) انظر ((التعريفات)) للجرجاني (ص١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>