للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أبي قرة أمام المأمون في المسيح عليه السلام، كذلك جرت لأبي قرة محاورة في حضرة المأمون بينه وبين بعض العلماء من العراق والشام دونها في كتاب خاص (١).٢ - ورد في كتب المؤرخين نصوص تشير إلى أن المسلمين أخذوا عن المسيحيين بعض أقوالهم (٢)، فقد ذكر المقريزي أن أول من تكلم بالقدر في الإسلام هو معبد الجهني (٣) أخذ ذلك عن نصراني من الأساورة يقال له أبو يونس، ويعرف بالأسواري (٤).وروى ابن قتيبة أن غيلان (٥) الدمشقي أكبر داعية إلى القدر بعد الجهني، كان قبطيا، ولذا يدعون غيلان القبطي (٦). وفي ذلك إشارة إلى أصله المسيحي.

٣ - ومن الأدلة أيضا على تأثر المعتزلة بالمسيحيين ما نراه من الشبه بين كثير من عقائدهم وبين أقوال يحيى الدمشقي والمسائل الدينية التي كان يعالجها. . . فلا يعقل أن يكون ذلك الشبه وليد الصدفة أو من قبل توارد الأفكار والخواطر، لأنها لا تقتصر على قول واحد أو فكرة واحدة، بل تظهر جليا في مسائل متعددة منها:

١ - القول بخير الله تعالى: كان يحيى الدمشقي يقول: إن الله خير، ومصدر كل خير، وأن الفضيلة هبة منه تعالى، بها أصبح الإنسان قادرا على فعل الخير، فلولا المعونة الإلهية لما استطاع أحد أن يأتي شيئا من الخير أبدا، والمعتزلة كانوا يذهبون إلى مثل هذا القول في خير الله تعالى، ويرون أن الله لا يفعل الشر، ولا يوصف بالقدرة على فعله.

٢ - القول بالأصلح: ثم إن يحيى الدمشقي كان يرى أن الله تعالى يهيئ لكل شيء في الوجود ما هو أصلح له، وهذا شبيه بعقيدة الأصلح التي لعبت دورا مهما في تاريخ المعتزلة، وخلاصتها: أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلا ما فيه صلاحهم.


(١) ((نفح الطيب)) (٣/ ٥٣).
(٢) ((المعتزلة)) (٢٥) نقلا عن ((مجلة الشرق)) (١/ ٦٣٣).
(٣) ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ١٨٣)، ((الأعلام)) (٨/ ١٧٧).
(٤) ((الخطط)) (٤/ ١٨١) , ((الفرق بين الفرق)) (١٧)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (٣٨).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (١٧)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (٣٨) , ((كتاب المعارف لابن قتيبة)) (١٦٦، ٢٠٧).
(٦) ((كتاب المعارف لابن قتيبة)) (١٦٦، ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>