للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلوم أنه دخل في الإسلام طوائف من المجوس واليهود والنصارى وغيرهم, ورؤوسهم ممتلئة بكل ما في هذه الأديان من تعاليم جرت في نفوسهم مجرى الدم؛ ومنهم من كان يظهر الإسلام ويبطن غيره؛ إما خوفا ورهبة أو رجاء نفع دنيوي؛ وإما بقصد الإفساد وتضليل المسلمين، وقد أخذ ذلك الفريق ينشر بين المسلمين ما يشككهم في عقائدهم، فظهر ثمار غرسهم في فرق هادمة للإسلام تحمل اسمه ظاهرا وهي معاول هدمه في الحقيقة، وهذا يمكن أن يصدق على الفرس أكثر منه على أهل الكتاب؛ ذلك أن الخطر على الإسلام لم يكن آتيا من أهل الكتاب كغيرهم، فإن القرآن الكريم أمر أن يعاملوا بالحسنى؛ وذلك دليل على ضآلة خطرهم على الدين، ولكن هذا القول يصدق على المسيحيين أكثر منه على اليهود، لأن أكثر المسيحيين في الشام كانوا عربا تجمعهم بالمسلمين الفاتحين روابط الجنس واللغة، ولأن المسيحيين في الشام ومصر لم يكن لهم كيان سياسي يأسفون على ضياعه، بل كانوا يخضعون للحكم البيزنطي الذي أثقل كاهلهم بالضرائب واضطهد المخالفين منهم لعقيدة الكنيسة الملكية. فلما جاء الفتح الإسلامي رحبوا به ونعموا تحت ظل الدولة الإسلامية بحرية الدين والعمل، فلم يكن لديهم ما يحملهم على الحقد على الإسلام والكيد له، وقد قال تعالى فيهم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى. . الآية [المائدة: ٨٢] أما اليهود فقد حاولوا في أول الأمر أن يقاوموا الإسلام، وبذلوا جهدهم؛ إلا أن الله سبحانه وتعالى رد كيدهم في نحورهم، فلم ينالوا شيئا من الإسلام، ولذلك قال عز وجل فيهم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ. . الآية [المائدة: ٨٢]. فهم بلا شك العدو اللدود للإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان، ولا تنس مؤامراتهم ودسائسهم ضد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولا المقالة في خلق القرآن التي نشرها طالوت اليهودي الزنديق (١)، فكانت سببا في فتنة كبيرة بين المسلمين، ولا نغفل أيضا عن عبد الله بن سبأ (٢) الحميري اليهودي الذي أظهر الإسلام نفاقا ليكيد لأهله، والذي لم يأل جهدا في التفرقة بين المسلمين، فلقد كان أول من أثار الناس على عثمان – رضي الله عنه – ثم أصبح من دعاة التشيع (٣)؛ وغير من ذكرنا كثير، لكن على العموم فإن خطر هؤلاء اليهود على الإسلام بالنسبة إلى الفرس قليل. وأما الفرس؛ فلهم شأن آخر؛ ذلك أنهم كانوا أصحاب مجد قديم وسيادة عريقة، يختلفون عن العرب في العنصر واللغة والدين، ويشعرون أنهم أرفع من العرب شأنا، وأعلى قدرا، فقد كان الكثيرون من عرب الجاهلية في العراق واليمن خاضعين لهم، لذلك كان مقتهم للمسلمين الذين دكوا عرشهم وأفسدوا دينهم شديدا بالغا، فراحوا يكيدون للإسلام بشتى الوسائل، وأخذوا يسعون جاهدين للقضاء على سلطان المسلمين السياسي، وإفساد دين الإسلام (٤). يقول ابن حزم "إنهم رأوا أن الكيد للإسلام والمسلمين بالحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، واستشناع ظلم علي – رضي الله عنه – وسلكوا بهم مسالك مختلفة حتى أخرجوهم عن الإسلام (٥)؛ فتم لهم ما أرادوا من التفرقة بين المسلمين وإدخال البدع والضلالات المناوئة للدين.


(١) ((الكامل لابن الأثير)) (٧/ ٤٩)، ((المعتزلة)) (٣٦).
(٢) ((الأعلام)) (٤/ ٢٢٠)، ((لسان الميزان)) (٣/ ٢٨٩).
(٣) ((الخطط)) (٤/ ١٩١)، ((الفصل)) (٢/ ٩١)، ((المعتزلة)) (٣٦).
(٤) ((المعتزلة)) (٣٧).
(٥) ((الفصل)) (٢/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>