للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحسن بنا بعد هذا أن نشير إلى شيئين آخرين: الأول: أن المعتزلة؛ وإن كان أكثر ردهم على المجوسية والجبرية، فقد كانوا لا يتأخرون عن الرد على جميع المخالفين كائنين من كانوا، فهذا الجاحظ (١) وضع الكتب الكثيرة في الرد على النصارى واليهود والزيدية (٢). . كما أنهم قاوموا الخوارج (٣).الثاني: أن المعتزلة كانوا أشداء على خصومهم متمسكين بعقائدهم حتى أنهم لم يتساهلوا مع بعض رجالهم حين جاءوا بأمور مخالفة، وأبدوا آراء شاذة؛ فقد اعترضوا جميعا على بشر بن المعتمر في اللطف، وناظروه فيه حتى رجع عنه (٤)، ونفوا حفص الفرد لما قال بالجبر وحاربوه، وتصدى له أبو الهذيل فناظره حتى غلبه (٥).كذلك فإن المعتزلة لم يكتفوا بالرد على المخالفين وتقطيعهم، بل تعدوا ذلك إلى الدعوة إلى الدين الإسلامي، فقد كانوا يرسلون الوفود من أتباعهم لهذا الغرض إلى البلاد التي يكثر فيها المجوس أو غيرهم من الوثنيين، فقد أرسل واصل بن عطاء عبد الله بن الحارث (٦) إلى المغرب، وحفص ابن سالم (٧) إلى خراسان، فأجابهما خلق كثير، ودخلوا في الإسلام (٨).

يظهر من كل ما ذكر أن المعتزلة بذلوا جهدا في الدفاع عن الدين الإسلامي، والدعوة إليه. ولكن المرء لا يسعه وهو يطالع قصة أعمالهم في الدعوة إلى الدين الإسلامي، والدفاع عنه، إلا أن بداخله بعض الشك في حقيقتها، ويساوره شيء من التردد في قبولها على علاتها، لأنها لا ترد مفصلة إلا في كتب المعتزلة أنفسهم، على حين لا تتعرض لها المصادر الأخرى بشيء إلا إشارة وتلميحا. لكن على العموم إن صحت كلها أو بعضها، فإنها دليل على خوض رجال المعتزلة في المناظرات والمجادلات، ومعلوم أن المجادلات تولد الأفكار وتنمي المبادئ وتنشرها، وتجعل لأصحابها ذيوعا وشهرة ينتج عنهما كثرة الأتباع، وبالتالي انتشار المبادئ والأفكار (٩).


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ٧١)، ((التبصير في الدين)) (٧٦).
(٢) ((معجم الأدباء)) (٦/ ١٠٧).
(٣) ((المحاسن والمساوئ)) (١٥٢).
(٤) ((الانتصار للخياط)) (٦٥).
(٥) ((الفهرست)) (٢٥٥)، ((المعتزلة)) (٤١).
(٦) ((فرق وطبقات المعتزلة)) (٥٣).
(٧) ((فرق وطبقات المعتزلة)) (٤٤) والحاشية من نفس الصفحة، وانظر (ص ٥٣) من نفس الكتاب.
(٨) ((المنية والأمل)) (١٩).
(٩) ((نشأة الأشعرية)) (١٢٠)، ((المعتزلة)) (٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>