للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - دراسة الفلسفة: حين أخذ المعتزلة على أنفسهم مهمة الدفاع عن العقائد الإسلامية، والدعوة إليها، وحين تعرضوا لمخالفيها يجادلونهم؛ تبين لهم أن أولئك القوم أمضى منهم سلاحا، وأقدر على الجدل والمناظرة؛ ذلك لأنهم كانوا أصحاب حضارة قديمة وثقافة عالية، وكان لهم معرفة بالفلسفة والعلوم العقلية واطلاع على كتب الفلاسفة الأقدمين يستوي في ذلك سكان سوريا ومصر وفارس والعراق، فالسوريون والمصريون كانوا تابعين للدولة البيزنطية وريثة الدولة الرومانية في الشرق، لها حضارة مزيج من مدينتي اليونان والرومان؛ لذلك فإنهم تأثروا بتلك الحضارة، واقتبسوا عنها كثيرا من عناصرها، وأسسوا المدارس ليتلقوا فيها الفلسفة والعلم، ويشتغلوا بترجمة الأسفار الإغريقية، فقد كانت لهم مدرسة كبيرة في الإسكندرية؛ وهي وإن كان رجالها قد انصرفوا في الفترة التي سبقت الإسلام إلى الدروس الفلكية والطبية والكيماوية؛ إلا أنها كانت قبل ذلك ميدانا لحركة لاهوتية (١) واسعة. . ترمي إلى دمج الدين اليهودي بالفلسفة، وقد ظهر صدى هذه الحركة في المدارس السورية؛ ولا سيما مدرسة أنطاكية التي لعبت دورا مهما في اللاهوت، والتي نتج عن أبحاثها تكون الفرق المسيحية التي اختلفت حول طبيعة السيد المسيح كالنسطورية (٢) واليعقوبية (٣).وكانت تقوم في شمال شرق سوريا على الحدود بينها وبين العراق أربع مدارس أخرى، اثنتان منها للنساطرة السريان؛ هما: مدرسة نصيبين (٤) الأولى، ومدرسة الرها (٥)، واثنتان لليعاقبة هما: مدرسة رأس العين (٦)، ومدرسة قنسرين (٧)، وتدور الأبحاث فيها كلها في الأمور اللاهوتية والفلسفية.

أما الدولة الفارسية؛ فقد قامت فيها مدرستان: الأولى: مدرسة نصيبين الثانية التي أعاد النساطرة فتحها بعد أن أغلقت الحكومة البيزنطية مدرستهم في الرها، فرحب الفرس بها وسمحوا لعلمائها أن يواصلوا أبحاثهم، وأن يشتغلوا باللاهوت والفلسفة، وتغاضوا عن أعمالهم التنصيرية في نواحي آسيا في سبيل الفائدة التي قد تعود على البلاد منهم. والمدرسة الثانية: هي مدرسة جند نيسابور قاعدة خوذ ستارة إحدى مقاطعات فارس فتحها كسرى أنوشروان في القرن السادس الميلادي، وجلب إليها العلماء النساطرة، وعهد إليهم التدريس فيها، وترجمة الكتب من اليونانية إلى الفارسية، فتأثر الفرس بالحضارة الهندية، وأصبحت مدرستها محطة للتفاعل بين الحضارات الثلاث: اليونانية والفارسية والهندية، ومركزا للاحتكاك بين الديانتين المسيحية والمجوسية، وقد عمرت مدرسة جند يسابور طويلا، واستدعى أحد علمائها سنة (١٤٨هـ) ليعالج المنصور، وكانت تمد الخلفاء العباسيين من بعد المنصور بالأطباء (٨).


(١) ((الموسوعة العربية المسيرة)) (١٥٤٦).
(٢) ((الملل)) (٢/ ٦٤) على حاشية الفصل.
(٣) ((الملل)) (٣/ ٦٦) على حاشية الفصل.
(٤) ((المعتزلة)) (٤٧) - الحاشية.
(٥) ((المعتزلة)) (٤٧) - الحاشية.
(٦) ((المعتزلة)) (٤٧) - الحاشية.
(٧) ((المعتزلة)) (٤٧) - الحاشية.
(٨) ((تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون)) (١٥٢)، ((إخبار العلماء بأخبار الحكماء)) (٧١)، ((المعتزلة)) (٤٦)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>