للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: سوف نجري مقارنة زمنية بين حياة واصل، ومحمد بن الحنفية؛ لنرى أن هؤلاء الكتاب، وكأنهم يقولون كلاماً يستغفلون فيه أتباعهم، وكأن كتبهم لن تقع في أيدي غير الأتباع؛ فمن الثابت أن محمد بن الحنفية – رحمه الله – توفي سنة " (٨١هـ) "، وواصل بن عطاء، ولد سنة " (٨٠هـ) "؛ فكيف تلقى واصل العلم عن ابن الحنفية، وعمره لم يتجاوز سنة واحدة، وبهذا يسقط ادعاء المعتزلة عن التلمذة، ولا نزيد على هذا شيئاً. ثانياً: يبقى الزعم الثاني بأن واصل بن عطاء قد صحب عبدالله بن محمد بن الحنفية في الكتاب، وهذه من المزاعم الباطلة – أيضاً –، والتي يبررها المستشرق آدم متز؛ فيقول: "إن هذا السند من وضع الشيعة، حملهم على وضعه، ونسبته إلى علي بن أبي طالب، أن عدداً كبيراً منهم دخل في مذهب الاعتزال في القرن الرابع الهجري؛ ولذلك فهو لا يرد مفصلاً إلا في كتاب (أئمة الزيود)، و (الشيعة في اليمن) " (١)، وهذه – فعلاً – إحدى الحقائق، وسوف نبطل هذا السند على النحو التالي؛ فقد ذكر الإمام الذهبي "أن عبدالله بن محمد بن الحنفية أبا هاشم قد مات "كهلاً" سنة ثمان وتسعين هجرية" (٢)، فكيف لرجل كهل يحب طفلاً في الكتاب، ولكن الواقع الذي يمكن تصوره أن واصلاً قد دخل الكتاب سنة " (٨٧ هـ"، أو "٨٨ هـ) "؛ فهو بذلك طفل صغير بجانب هذا الكهل على ما قاله الذهبي، وعندما توفي عبدالله كان عمر واصل ثمانية عشر عاما، ونحن لا ننكر أن يكون واصلاً قد شاهد عبدالله، أو سمعه، مع أننا نميل إلى أن الظروف السياسية في ذلك الوقت ما كانت تسمح لعلماء آل البيت بإلقاء الدروس العلمية، وتجمع الناس حولهم، ثم ما وجه اهتمام عبدالله بن محمد بطفل صغير ليس من بني هاشم، ولا من مواليهم؟ فهذه إذا محاولة التشيع، والاعتزال الالتصاق بآل البيت، وينكر البغدادي هذه الصلة بالبيت الهاشمي من قبل واصل، فيقول: وقد ادعت المعتزلة لواصل كرامات، كذبوا في بعضها، وقلبوا في بعضها، فزعموا أنه صحب محمد بن الحنفية، وعبدالله ابن علي بن أبي طالب، وأخذ عنهما مقالته، وهذه خرافات أمانيهم في الغرور، وقيل: لو كان على رأي محمد، وعبدالله، لما رد شهادة أبيهما" (٣).وزيادة في التمويه والتضليل، فقد اخترع المعتزلة تلمذة زيد بن علي بن الحسين – رحمه الله – "ت (١٢٠هـ) " على واصل بن عطاء، وزعموا أنه كان يدين بمذهب الاعتزال؛ حيث يقول ابن المرتضى: "وروي أن واصلاً دخل المدينة، ونزل على إبراهيم بن يحيى، فتسارع إليه زيد بن علي، وابنه يحيى بن زيد، فقال جعفر بن محمد الصادق (١٤٦هـ) " لأصحابه: قوموا بنا إليه، فجاءه، والقوم عنده – أعني زيد بن علي، وأصحابه –، فقال جعفر: أما بعد، فإن الله – تعالى – بعث محمداً بالحق، والبينات، والنذر، والآيات، وأنزل عليه: وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأحزاب: ٦]، فنحن عترة رسول الله، وأقرب الناس إليه، وإنك يا واصل أتيت بأمر يفرق الكلمة، وتطعن به على الأئمة، وأنا أدعوك إلى التوبة". إلى أن قال ابن المرتضى: "فتكلم زيد بن علي، فأغلظ لجعفر؛ أي أنكر عليه ما قال، وقال: ما منعك من "اتباعه" إلا الحسد لنا، فتفرقوا، قلت "أي ابن المرتضى": روى ذلك الحاكم، وغيره، والله أعلم بحصتها" (٤).


(١) آدم متز، ((الحضارة الإسلامية)) (١/ ١٢٤)، دار الكتاب العربي، بيروت.
(٢) الذهبي، ((سير أعلام النبلاء)) (٢/ ١٣٠).
(٣) ((الملل والنحل)) (ص٨٤).
(٤) ((المنية والأمل))، (ص١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>