للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذا الحديث كالآيات دلالة على اتصافه تعالى بصفتي السمع والبصر قائمتين بذاته تعالى حقيقة. يقول البيهقي - في كتابه (الأسماء والصفات) -: "السميع من له سمع يدرك به المسموعات، والبصير: من له بصر يدرك به المرئيات، ولكل منهما في حق الباري تعالى صفة قائمة بذاته تعالى (١).ومن العقل ما يقوله الباقلاني: حيث قال: "والدليل على أنه تعالى سميع بصير .... أنه قد ثبت أنه تعالى حي، والحي يصح أن يكون سميعاً بصيراً ... ومن عرى من هذه الأوصاف مع صحة وصفه بها، فلابد من أن يكون موصوفاً بأضدادها ... من العمى والصمم، وهذه الأمور آفات قد اتفق على أنها تدل على حدوث الموصوف بها، فلم يجز وصف القديم بشيء منها، فوجب أن يكون سميعاً بصيراً ... " (٢).

وإذا ثبت بالنقل والعقل، أنه تعالى سميع بصير، بطل ما يزعمه النفاة؛ من أنه تعالى ليس بسميع، ولا بصير بسمع وبصر قائمين في ذاته تعالى على ما يليق بجلاله.

إضافة إلى هذا: فإنه سبق أن عرضت لشبهات المعتزلة في نفي الصفات في مبحث موقف المعتزلة من الصفات عامة، ورددت عليها، وعلى ذلك فإنه يبطل رأي المعتزلة في نفي صفتي السمع والبصر ببطلان رأيهم في نفي سائر الصفات، لأن شبهاتهم التي نفوا بسببها الصفات: عامة لجميع الصفات، وليست خاصة بصفات بعينها. والله أعلم، وهو ولي التوفيق.

ثانياً: الرد على الجبائي وابنه، ومن تابعهما من البصريين في تأويلهم السميع، والبصير بالحي الذي لا آفة به:

عرفنا - فيما سبق - عند عرضنا لرأي الجبائي وابنه، ومن تابعهما أنهم يرون: أن الله سميع بصير بمعنى أنه حي لا آفة به: وهذا التأويل مما يظهر بطلانه، وإليك شيئاً من الردود التي وجهت لأصحاب هذا الرأي. أولاً: يقال لهم أطلقتم القول بنفي الآفة، وهو ليس بشرط بالاتفاق، فإن السميع والبصير قد يكون ذا آفة، وذا آفات كثيرة (٣).

فإن قيل: ليس السميع هو من سلبت عنه الآفة مطلقاً؛ بل من سلبت عنه الآفة في محل السمع ... قيل لهم: هذا القول باطل أيضاً، فإن من قال: السمع: هو نفي الآفة في محل السمع، فكأنه قال: السميع: هو من له السمع في محل السمع، ولو قال: السميع هو من له السمع؛ لكان ذلك كافياً عن ذكر المحل، وإذا كان كافياً، فكأنه قال: السميع: هو الذي لا آفة به، وإذ ذاك فإنه يرجع الكلام الأول بعينه (٤).

وإذا كان لا يلزم من نفي الآفة وجود السمع والبصر، ولا ينتفي بوجودها، فإن تفسير السمع والبصر بنفي الآفة باطل. ثانياً: إن الذي يحسه الإنسان من نفسه معنى موجود لا نفي محض، وقولهم: لا آفة به نفي محض، فلا يتصور الإحساس به، ويستحيل أن ترجع التفرقة بين حالتي الإدراك وعدم الإدراك إلى عدم محض؛ فحينئذ تنعدم التفرقة، فإن التفرقة بالعدم، وعدم التفرقة سواء ... (٥).


(١) ((عقيدة السفاريني)) (١/ ١٢٢).
(٢) ((التمهيد)) (ص٢٦، ٢٧)، وانظر ((اللمع)) للأشعري (ص٢٦)، و ((الإرشاد)) (ص ٧٢ - ٧٣).
(٣) انظر ((نهاية الإقدام)) (ص٣٤٦).
(٤) ((غاية المرام)) (ص١٢٨). بتصرف.
(٥) ((نهاية الإقدام)) (ص٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>