للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:١٠٣] الآية، وإن عمت في الأشخاص باستغراق اللام، فإنها لا تعم في الأزمان، لأنها سالبة مطلقة لا دائمة. ونحن نقول بموجبه حيث لا يرى في الدنيا (١).

الوجه الرابع: ويقال لهم على دعوى العموم في لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ كما قال أبو الحسن الأشعري: (إذا كان قول الله عز وجل لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ في العموم كقوله وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:١٠٣] لأن أحد الكلامين معطوف على الآخر فخبرونا أليس الأبصار والعيون لا تدركه رؤية ولا لمسا ولا ذوقا ولا على وجه من الوجوه؟ فإن قالوا: نعم، فيقال لهم: أخبرونا عن قوله عز وجل وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ في العموم كقوله لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ (٢).

الوجه الخامس: قال الألوسي: (قد يقال إن قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ المراد نفي الرؤية وقد عدم إذن الله تعالى للأبصار بالإدراك. والدليل على صحة إرادة هذا القيد هو أن العباد لا يقدرون على شيء من المقدورات إلا بإذن الله تعالى ومشيئته وتمكينه فلا تدركه الأبصار إلا بإذنه وهو المطلوب. ويؤيد هذا البيان ويشيد أركانه أنه لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:١٠٣] وقع بعد قوله سبحانه وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ووجه التأييد أن الله تعالى أخبر بأنه على كل شيء وكيل الإيمان متول لأموره ومعلوم أن الأبصار من الأشياء وأن إدراكها من أمورها فهو سبحانه وتعالى متوليها ومتصرف فيها على حسب مشيئته فيفيض عليها الإدراك ويأذن لها إذا شاء كيف شاء وعلى الحد الذي شاء ويقبض عنها الإدراك قبضا كليا أو جزئيا في الإيمان وقوله تعالى: شاء كيف شاء ولا يخفى على هذا أنه غاية التمدح بالعزة والقهر والغلبة فإن من هو على كل شيء وكيل إذا لم تدركه الأبصار إلا بإذنه مع كونه يدرك الأبصار ولا تخفى عليه خافية كان ذلك غاية في عزته وقهره وكونه غالبا على أمره (٣).

الوجه السادس: قال الرازي: (هب أن هذه الآية عامة إلا أن الآيات الدالة على إثبات الرؤية لله تعالى خاصة والخاص مقدم على العام (٤).


(١) ((شرح المواقف)) (٨/ ١٤٠)، ((اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع)) لأبي الحسن الأشعري (٦٥).
(٢) ((الإبانة عن أصول الديانة)) لأبي الحسن الأشعري (١٨).
(٣) ((روح المعاني)) للألوسي (٧/ ٢٤٧ - ٢٤٦).
(٤) ((الفخر الرازي)) (١٣/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>