للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: لَن تَرَانِي ولَن موضوعة للتأبيد وإذا لم يره موسى أبدا لم يره غيره إجماعا، قال الزمخشري في معنى لَن: (إنها لتأكيد النفي الذي تعطيه لا وذلك أن لا تنفي المستقبل تقول: لا أفعل غدا فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غدا، والمعنى أن فعله ينافي حالي كقوله تعالى: لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: ٧٣] فقوله لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:١٠٣] نفي للرؤية فيما يستقبل ولَن تَرَانِي تأكيد وبيان لأن النفي مناف لصفاته.

فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بما قبله؟ قلت: اتصل به على معنى أن النظر إلي محال فلا تطلبه، ولكن عليك بنظر آخر وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يزحف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم كيف أفعل به، وكيف أفعله، وكان بسبب طلبك الرؤية لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من علم أثره كأنه عز وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله: وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم: ٩٠] (١).

قال عبد الجبار بن أحمد: (فإن قالوا: أليس أنه تعالى قال حاكيا عن اليهود: وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة: ٩٥] أي لا يتمنون الموت ثم قال حاكيا عنهم: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف: ٧٧] فكيف يقال إن لَن موضوعة للتأبيد؟ قلنا: إن لَن موضوعة للتأبيد ثم ليس يجب أن لا يصح استعمالها إلا حقيقة بل لا يمتنع أن تستعمل مجازا وصار الحال فيها كالحال في قولهم أسد وخنزير وحمار فكما أن موضعها وحقيقتها لحيوانات مخصوصة ثم تستعمل في غيرها على سبيل المجاز والتوسع واستعمالهم في غيرها لا يقدح في حقيقتها كذلك ههنا) (٢).


(١) ((الكشاف)) للزمخشري (٢/ ١١٣).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (٢٦٤) بتصرف قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>