للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما قالوا في وجه الدلالة بالنسبة للنفي ب لَن وفي أبديتها له، ومحاولات الرد على ما يرد عليه من اعتراضات ولكن هيهات فقد أسفر الصبح لذي عينين فالحق أبلج لا يمازجه ريب إلا عند ذي رين فقولهم: (إن لن موضوعة للتأبيد هذا افتراء على اللغة وليس يشهد بصحته كتاب معتبر ولا نقل صحيح قال الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله أردد وخلافه أعضدا (١).قال صاحب النحو الوافي: (لَن وهو حرف يفيد النفي بغير دوام ولا تأبيد إلا بقرينة خارجة عنه فإذا دخل على المضارع نفى معناه في الزمن المستقبل المحض غالبا نفيا مؤقتا يقصر ويطول من غير أن يدوم ويستمر فمن يقول: لن أسافر، أو لن أشرب، أو لن أقرأ غدا أو نحو هذا فإنما يريد نفي السفر أو غيره في قابل الأزمنة مدة معينة يعود بعدها إلى السفر ونحوه إن شاء ولا يريد النفي الدائم المستمر في المستقبل إلا إن وجدت قرينة مع الحرف لَن تدل على الدوام والاستمرار (٢) ويؤيد هذا قوله تعالى حكاية عن مريم: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم: ٢٦] إذ لو كانت لَن هنا تفيد تأبيد النفي لوقع التعارض بينها وبين كلمة الْيَوْمَ في الآية؛ لأن اليوم محدد معين، وهي غير محددة ولا معينة، ولوقع التكرار في قوله تعالى فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا [البقرة: ٩٥] فما فائدة كلمة أبدا التي تدل على التأبيد إن كانت لَن تدل عليه ثم مع تقييدها بالتأبيد إن كانت لَن تدل عليه ثم مع تقييدها بالتأبيد هنا لم تدل عليه قال تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف: ٧٧] فكيف إذا أطلقت. ومما يؤيد عدم كونها للتأبيد المطلق تحديد الفعل بعدها قال تعالى على لسان ابن يعقوب فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي [يوسف: ٨٠] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ذكر الدجال: ((تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت)) (٣) فهذه الشواهد دليل على عدم اقتضاء لَن النفي المؤبد.


(١) ((متن الكافية الشافية في علم العربية)) لابن مالك (٦٨).
(٢) ((النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة والحياة اللغوية المتجددة)) لعباس حسن (٤/ ٢٨١)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (١/ ٩٥).
(٣) ((صحيح الإمام مسلم)) (٤/ ٢٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>