للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فهلا، قال: أرهم ينظرون إليك. قلت: لأن الله سبحانه إنما كلم موسى عليه السلام وهم يسمعون، فلما سمعوا كلام رب العزة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه كما أسمعه كلامه فسمعوه معه إرادة مبنية على قياس فاسد، فلذلك قال موسى أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ولأنه إذا زجر عما طلب وأنكر عليه في نبوته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى، وقيل له لن يكون ذلك كان غيره أولى بالإنكار، ولأن الرسول إمام أمته فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعا إليهم وقوله أَنظُرْ إِلَيْكَ وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم دليل على أنه ترجمة عن مقترحاتهم وحكاية لقولهم (١).وعلى هذا التأويل الجاحظ وأكثر المعتزلة فهم يقولون إن الطلب ليس من موسى عليه السلام لنفسه وإنما لقومه على ما مر (٢).

الجواب الأول عن الاعتراض الثالث:

يقول الرازي: (إن هذا تأويل فاسد ويدل عليه وجوه:

الأول: أنه لو كان الأمر كذلك لقال موسى: (أرهم ينظروا إليك) ولقال تعالى: (لن يروني)، فلما لم يكن كذلك بطل هذا التأويل.

الثاني: أنه لو كان هذا السؤال طلبا للمحال لمنعهم عنه كما أنهم لما قالوا: اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: ١٣٨] منعهم عنه بقوله إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: ١٣٨].

الثالث: أنه لو كان: يجب على موسى عليه السلام إقامة الدلائل القاطعة على أنه تعالى لا تجوز رؤيته، وأن يمنع قومه بتلك الدلائل عن هذا السؤال فأما أن لا يذكر شيئا من تلك الدلائل البتة مع أن ذكرها كان فرضا مضيفا كان هذا نسبة لترك الواجب إلى موسى عليه السلام، وأنه لا يجوز. الرابع: أن أولئك الأقوام الذين طلبوا الرؤية إما أن يكونوا قد آمنوا بنبوة موسى عليه السلام أو لا؛ فإن كان الأول كفاهم في الاقتناع عن ذلك السؤال الباطل مجرد قول موسى عليه السلام فلا حاجة إلى هذا السؤال الذي ذكره موسى عليه السلام، وإن كان الثاني لم ينتفعوا بهذا الجواب لأنهم يقولون له: لا نسلم أن الله منع من الرؤية بل هذا قول افتريته على الله تعالى فثبت أن على كلا التقديرين لا فائدة للقوم في قول موسى عليه السلام أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ (٣).

الجواب الثاني عن الاعتراض الثالث:


(١) ((الكشاف للزمخشري)) (٢/ ١١٣).
(٢) ((شرح المواقف)) (٨/ ١١٩).
(٣) ((تفسير الرازي)) (١٤/ ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>