للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: على التسليم بأن الآية ليست خاصة في الكافر، والجزاء فيها المقصود به وقوعه، فإنها مخصصة بالنصوص الدالة على العفو بمشيئته تعالى، والتوبة، وأحاديث الشفاعة الدالة على خروج الموحدين من النار. يقول القرطبي: "الآية مخصوصة بآيات وأحاديث، فمن الآيات، قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ... الآية [هود: ١١٤]. وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: ٢٥]. وقوله تعالى: ... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ... الآية [النساء: ٤٨]. وتوضيح ذلك؛ أنه ليس الأخذ بظاهر هذه الآية أولى من الأخذ بظاهر هذه الآيات، والأخذ بالظاهرين متناقض، فلابد من التخصيص. ثم إن الجمع بين آية الفرقان، وهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]، وبين هذه الآية ممكن، فلا نسخ ولا تعارض؛ وذلك بأن يحمل مطلق آية النساء على مقيد آية الفرقان، فيكون معناه: فجزاؤه كذا إلا من تاب؛ لا سيما وقد اتحد الموجب وهو القتل، والموجب وهو التوعد بالعقاب. وأما الأخبار المخصصة لعموم الآية فكثيرة منها: حديث عبادة بن الصامت، أنه صلى الله عليه وسلم: قال: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفى عنه، وإن شاء عذبه)) (١).وكحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قتل مائة نفس .... (٢). ثم أنهم - المعتزلة - أجمعوا معنا في الرجل يشهد عليه بالقتل، ويقر بأنه قتل، ويأتي السلطان فيقيم عليه الحد ويقتل قوداً، فهذا غير نافذ عليه الوعيد في الآخرة إجماعاً على مقتضى حديث عبادة، فقد انكسر عليهم ما تعلقوا به من عموم قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ... الآية [النساء: ٩٣]. ودخله التخصيص بما ذكر". انتهى كلام القرطبي بتصرف.

من كلام القرطبي؛ يظهر أن الآية مخصوصة بالنصوص الدالة على العفو والتوبة؛ وعليه فيبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية على تخليد صاحب الكبيرة في النار. والله أعلم.


(١) رواه البخاري (٦٤٨٧).
(٢) الحديث رواه البخاري (٣٤٧٠) , ومسلم (٢٧٦٦) , من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>