للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة السادسة: يروي عبدالرحمن الإيجي أن المعتزلة قالوا: "إن الله سبحانه وتعالى أوعد بالعقاب وأخبر به، فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره، وهو محال" (١).يقول القاضي عبدالجبار: " ... إن الله توعد العصاة بالعقاب ... وأنه يفعل ما توعد عليه، ولا يجوز عليه الخلف والكذب" (٢).ويستدل (٣) على عدم جواز الخلف في الوعيد بقوله تعالى: قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: ٢٨ - ٢٩]. ثم يقول: "الآية تدل على أن الوعيد الوارد عن الله تعالى لا يتبدل ولا يتغير ... وأنه لا يجوز فيه الخلف، لأن ذلك يقتضي التبديل، وقد أبى الله تعالى ذلك في وعيده ... " (٤). كما يستدل القاضي - أيضاً - على عدم جواز الخلف في الوعيد "بأنه لو جاز الخلف في الوعد، لأن الطريقة في الموضعين واحدة" (٥).

المناقشة:

يقال لهم: الوعيد إما أن يتوج للكافر والمشرك أو العاصي؛ فأما الوعيد الذي توعد الله به الكافرين: فإنهم سينالونه حتماً إذا ماتوا على كفرهم، كما دل على ذلك القرآن الكريم من مثل قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ... الآية [النساء: ٤٨].

وأما الوعيد الذي توعد الله به العصاة: فإما أن يتوبوا أو لا. إن تابوا تاب الله عليهم وغفر لهم؛ وبذلك يسقط الوعي عنهم، كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ... الآية [الفرقان: ٧٠].أما إذا مات العاصي وهو لم يتب؛ فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه على قدر ذنبه بمقتضى عدله ثم أدخله الجنة، فلا يخلد في النار؛ بدليل حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ... يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ... الحديث)) (٦).

ففي هذا الحديث دلالة على أن من معه إيمان لا يبقى في النار خالداً؛ بل يخرج منها، وصاحب الكبيرة معه إيمان. وإن شاء عفى عنه بمقتضى عفوه ورحمته (٧)، قال تعالى: ... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ... الآية [النساء: ٤٨]. ففي هذه الآية دلالة على أن الله تعالى يمكن أن يخلف وعيده في حق الموحد العاصي الذي مات وهو مرتكب للكبائر من غير توبة. ومثل هذه الآية حديث عبادة بن الصامت: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله عصابة من أصحابه-: ((بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ... إلى أن قال: ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ... الحديث)) (٨).يقول المازني: "وفي الحديث رد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه تحت المشيئة ولم يقل: لابد من تعذيبه" (٩).


(١) ((المواقف)) (٨/ ٣٧٦).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٣٥، ١٣٦).
(٣) انظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٣٦).
(٤) ((متشابه القرآن)) (٢/ ٦٢٦).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٣٦).
(٦) رواه البخاري (٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٧) انظر ((عمدة القارئ)) (١/ ١٨٦).
(٨) رواه البخاري (٦٤٨٧).
(٩) ((فتح الباري)) (١/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>