للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: حكم الله في مشركي العرب: قال تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا .... الآية [محمد: ٤]. فهذا حكم الله في مشركي العرب وفي كل كافر سوى أهل الكتاب، وهو زائل عن صاحب الكبيرة؛ ثم قد جاء في السنة المجمع عليها أن أهل الكفر لا يتوارثون، ولا يدفنون في مقابر أهل القبلة، وليس يفعل ذلك بصاحب الكبيرة. وحكم الله في المنافق: أنه إن ستر نفاقه وكان ظاهره الإسلام، فهو مسلم له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم. وإن ظهر كفره استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وهذا الحكم زائل عن صاحب الكبيرة. وحكم الله في المؤمن الولاية والمحبة والوعد بالجنة. قال تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ ... الآية [البقرة: ٢٥٧]. وقال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب: ٤٧]. وقال تعالى: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ... الآية [التوبة: ٧٢]. وحكم الله في صاحب الكبيرة أن لعنه وأعد له عذاباً أليماً. قال تعالى: ... أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: ١٨]. وقال تعالى: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: ١٤]. وما أشبه ذلك من القرآن، فوجب أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن لزوال أحكام المؤمن عنه في كتاب الله، ووجب أنه ليس بكافر، لزوال أحكام الكفار عنه، ووجب أنه ليس بمنافق لزوال أحكام المنافقين عنه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجب أنه فاسق فاجر لتسمية الله له بذلك. لذا فهو فاسق مخلد في النار لتوعد الله له بذلك، ولكنه في عذاب أخف من عذاب الكافر. انتهى كلام واصل بن عطاء بتصرف (١).ويقول في موضع آخر: "إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمي المرء مؤمناً وهو اسم مدح، والفاسق لم يستكمل خصال الخير، ولا استحق اسم المدح، فلا يسمى مؤمناً، وليس هو بكافر أيضاً؛ لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة؛ فهو من أهل النار خالداً فيها؛ إذ ليس في الآخرة إلا فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير؛ ولكنه تخفف عنه النار ... " (٢).

المناقشة:

نقول لهم: أما قولكم أنه ليس بكافر، فهذا نوافقكم عليه؛ وأما قولكم أنه ليس بمنافق فكذلك هو ليس بمنافق؛ لأن كبيرته لا توجب استتابته، فإن تاب وإلا قتل كما يعمل مع المنافق إذا ظهر نفاقة، أما إذا لم يظهر لم يعلم هل هو منافق أم لا، لذا يعامل معاملة المسلمين.

وأما قولكم: إنه ليس بمؤمن، فهذا على إطلاقه لا نوافقكم عليه؛ بل نقول: هو مؤمن ناقص الإيمان قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يكون له الاسم مطلقاً، ولا يسلب منه مطلق الإيمان.

ومما يدل على أن الفاسق لم تخرجه كبيرته من الإيمان ما يلي:


(١) ((الانتصار)) (ص١١٨)، و ((طبقات ابن المرتضى)) (ص٨)، وانظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧١٣، ٧١٤).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>