للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: قولكم: إن الفاسق قد أخرجه فسقه من الإيمان ينبني على أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله؛ لأنهم يقولون: إن من عمل كبيرة لم يبق معه من الإيمان شيء وهو باطل. يقول ابن تيمية – في معرض الرد على من قال بهذا القول -: "وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه، ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان. فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله ولم يبق منه شيء، ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، كما قاله أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء، فيخلد في النار. وقالت المرجئة – على اختلاف فرقهم -: لا تذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئاً من الإيمان؛ إذ لو ذهب شيء منه، لم يبق منه شيء، فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه البر والفاجر، ونصوص الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه، كقوله صلى الله عليه وسلم: (( ... أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) (١). ولهذا كان أهل السنة والحديث على أنه يتفاضل وجمهورهم يقولون: يزيد وينقص ... وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان منه عن الصحابة، ولم يعرف فيهم مخالف ... فمن ذلك ما روي من وجوه كثيرة عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر عن جدة عمير بن حبيب الخطمي، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان يزيد وينقص. قيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته؛ وإذا غفلنا ونسينا؛ فذلك نقصانه. وروى إسماعيل بن عياش عن جرير بن عثمان عن الحارث بن محمد عن أبي الدرداء قال: "الإيمان يزيد وينقص" وروى إسماعيل بن عياش عن أبي هريرة مثل ذلك .. وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول لأصحابه: هلموا نزداد إيماناً فيذكرون الله عز وجل ...

وأيضاً: فإن الزيادة قد نطق بها القرآن في عدة آيات، كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: ٢].يقول ابن تيمية: وهذه الزيادة وقت تلاوة الآية، وليس هو تصديقهم بها عند النزول ... وكقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: ١٧٣]. فهذه الزيادة عند تخويفهم العدو لم تكن عند آية نزلت، فازدادوا يقيناً وتوكلا على الله، وثباتاً على الجهاد (٢).


(١) رواه البخاري (٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص١٩٠، ١٩١، ١٩٢)، بتصرف، وانظر ((شرح الطحاوية)) (ص٢٧٦ - ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>