للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستنجد بالعربية ليؤيد تأويله فيقول (والذي يصبح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي تريد معنى التوقع والرجاء ومنه قول القائل:

وإذا نظرت إليك من الملك ... والبحر دونك زدتني نعما (١)

وسمعت سرورية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقايلهم تقول: عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم. والمعنى أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه (٢). وكل آية يمكن أن يستشعر منها معنى رؤية الله، يؤولها الزمخشري بشكل يدفع الرؤية، فيشرح الفوز في قوله تعالى: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:١٨٥] بقوله (وأي فوز أعظم من دخول الجنة) ويعلق سراج الدين البلقيني على ذلك بقوله (أشار إلى عدم الرؤية) (٣).وهو عين التأويل الذي ينقله القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي الذي يصور معنى التطور الذي طرأ على موقف مثبتة الرؤية. ذلك أن أوائلهم كانوا (يقولون بالرؤية مع التشبيه. ثم من بعد لما عرفوا فساد القول بالتشبيه ثبتوا على القول بالرؤية للإلف والعادة، واحتجوا بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:٢٢ - ٢٣] وهذا لا حجة لهم فيه لأن النظر ليس هو الرؤية، فتحمل الآية على النظر إلى الثواب أو الانتظار. كما روي عن كثير من الصحابة (٤).فهو ينسب عقيدتهم إلى الإلف والعادة لا النظر والفهم، ثم يؤول مستندهم من الآية بنفس تأويل الزمخشري الذي تناول أحمد ابن المنير الرد عنه في كتابه (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال) فقال (ما أقصر لسانه عند هذه الآية فكم له يدندن ويطيل في حجب الرؤية ويشقق القباء ويكثر ويتعمق. لما فغرت فاه صنع في مصامتها بالاستدلال. . . ومما يعلم أن الممتع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ولا يؤثر عليه غيره) (٥) ويقول ابن بطال (إن تأويلهم لناظرة بمنتظرة خطأ لأنه لا يتعدى بإلى (٦) ويتحدث ابن كثير عمن تأول حرف الجر "إلى" في قوله تعالى إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:٢٣] وفسره بأنه مفرد الآلاء وهي النعم فيقول: فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه، وأين هو من قوله تعالى: كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] (٧).قال الشافعي رحمه الله لما سئل عن هذه الآية: لما حجب الله قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا. وسأله الربيع بن سليمان: أوتدين بهذا يا سيدي؟، فقال (والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا) (٨).وبالإضافة إلى الأدلة النقلية الصحيحة التي أوردها أهل السنة فإنهم تناولوا شبهة المعتزلة العقلية بالرد عنها عقليا ولغويا فهذا ابن حجر يورد ما عدده البيهقي من الأوجه اللغوية التي تفيدها عبارة ناظرة في كلام العرب منتهياً إلى أن أولاده بالقبول في الآية هو نظر الرؤية (٩).وهذا أبو بكر الباقلاني يرد عن اعتراض أبي إسحاق النصيبيني ويبين أن الرؤية لا تتم بالعين لما يستلزم ذلك من المكان (وإنما يرى بالإدراك الذي في العين، ولو كان الشيء يرى بالعين لكان يجب أن ترى كل عين قائمة، وقد علمنا أن الأجهر عينه قائمة ولا يرى شيئا. .)


(١) ((الكشاف)) (٤/ ٥٤٤).
(٢) ((الكشاف)) (٤/ ١٩٢).
(٣) ((الإتقان)) (٢/ ١٩٠).
(٤) ((فضل الاعتزال)) (١٥٨).
(٥) ((مطبوع على هامش الكشاف)) (٤/ ١٩٢).
(٦) ((فتح الباري)) (١٧/ ١٩٥).
(٧) ((تفسير ابن كثير)) (٨/ ٣٠٥).
(٨) ((مناقب الشافعي)) (١/ ٤١٩).
(٩) ((فتح الباري)) (١٧/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>