للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم وإن خلدوهم في النار إلا أنهم جعلوا عذابهم أخف من عذاب الكافرين. وبموقفهم هذا يكونون قد أنكروا أمرا أثبت بالسنة الصحيحة، جاء في سنن أبي داود عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) (١) وبناء على ذلك فقد أتت السنة بأن الله يخرج قوما من النار بعد أن يمتحنوا بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم (٢).وقد يعترض بعضهم بأن الشفاعة ليست واردة في القرآن، وهذا لا يمنع ثبوتها، وكثيرة هي المسائل والأحكام التي اختصت بذكرها السنة، وقد قيل يوما لعمران بن حصين وهو جالس في المسجد: يا أبا النجيد إنكم لتحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلا في القرآن؟ فغضب عمران وقال لسائله: قرأت القرآن؟ قال نعم. قال: فهل وجدت صلاة العشاء أربعا ووجدت المغرب ثلاثا. .؟ إلى أن انتهى إلى ذكر الشفاعة (٣) مذكرا لهم بقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:٧].وقد استنبط العديد من الصحابة شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من القرآن نفسه، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (إنكم يا معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا. . . [الزمر:٥٣] الآية لكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:٥] وهي الشفاعة) (٤).

د – إنكارهم لمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم:

يعود إنكار بعض المعتزلة لمعجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات الرسل السابقين إلى تصورهم للنبوة، فقد اختلفوا فيما بينهم: هل هي جزاء أو ثواب؟ أم لا؟ فقال بعضهم: هي ثواب وجزاء على عمل صالح عمله النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق أن يجزيه الله بالنبوة. وقال آخرون ليست بجزاء ولا ثواب (٥) وممن قال بأنها جزاء على عمل عباد بن سليمان، وممن قال بأنها تكون ابتداء أبو علي الجبائي (٦).


(١) رواه أبو داود (٤٧٣٩) والترمذي (٢٤٣٥) سكت عنه أبو داود ,وقد قال في ((رسالته لأهل مكة)): كل ما سكت عنه فهو صالح. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٧٣٩).
(٢) ((موعظة المؤمنين)) (١/ ١٠).
(٣) ((دلائل النبوة)) (١/ ٣٥).
(٤) ((الإتقان)) (٢/ ١٦١).
(٥) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢٩٧، ٢/ ٣٢٦).
(٦) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>