للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - منعهم الحكم بالرأي في الفتيا: ولعل من العجيب أن نرى بعض المعتزلة (١)، وهم ممن رفعوا لواء العقل أن يحرموا الحكم بالرأي في الفتيا كما قالت النظامية وقد سبق أن بينا مخالفة هذا الاتجاه للسنة ومستدلين باجتهادات للرسول صلى الله عليه وسلم.

من أسباب اضمحلالهم:

الأسباب التي أودت بالمعتزلة كثيرة ومتنوعة ومنها ما يعود إلى طبيعة مذهبهم وطريقة تطبيقهم ونشرهم لنحلتهم، ومنها ما يعود إلى تعقب أهل السنة لهم بدحض شبههم وانحرافاتهم.

١ - بعدهم عن تطبيق معتقدهم في الإيمان:

لئن نادى المعتزلة بالعمل وجعلوه شرط صحة في ثبوت الإيمان، وغلوا في الوعيد فإن العديد من أعلامهم كانوا أول من مال على هذا الركن الأساسي في عقيدتهم بالهدم والإهمال. بل تجاوزوا هذا الهزء من بعض الشعائر وبلغ بهم الأمر إلى تناول الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بمقامه السامي. مما لا يدع مجالا للشك في أنهم إنما يصدرون آرائهم عن عقائد وتراث أجنبي لا يتفق وشريعة الإسلام.

فهذا النظام وهو أحد زعماء المعتزلة البارزين يعد من أفسق خلق الله وأجرأهم على الذنوب العظام وعلى إدمان شرب المسكر حتى أن ابن قتيبة ينسب إليه قوله: مازلت آخذ روح الزق في لطف: وأستبيح دما من غير مجروح. حتى انثنيت ولي روحان في جسدي: والزق مطرح جسم بلا روح (٢) وأبو هاشم بن أبي علي الجبائي كان من ناحية يفرط في الوعيد حتى أنه لم يقبل توبة المقلع عن الذنب بعد العجز عن اقترافه، ومن ناحية أخرى كان أفسق أهل زمانه، وكان مصرا على شرب الخمر حتى قيل إنه مات في سكره (٣).ومما يؤثر عنه أنه يرى أن (الطهارة غير واجبة) (٤) معللا مذهبه هذا بقوله: (إن غيره لو طهره مع كونه صحيحا أجزأه)، وهي محاولة مكشوفة لإفساد الشريعة وإفراغها من محتواها وهي مخالفة صريحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بلا طهور ولا صدقة من غلول)) (٥).

ومما رواه الجاحظ في كتاب (المضاحك) أن المأمون رأى يوما ثمامة بن أشرس وهو من زعماء المعتزلة (سكران قد وقع في الطين) فقال له: ثمامة؟

قال: إي والله. قال: ألا تستحي؟ قال: لا والله. قال: عليك لعنة الله. قال (تترى ثم تترى) (٦).وكان ثمامة متهاونا في أداء الفروض آية ذلك أن خادمه قال له يوما: قم صل فتغافل، فقال له: فقال له: قد ضاق الوقت فقم وصل واسترح، فقال أنا مستريح إن تركتني (٧).

قد يقول قائل: إنها الروح المرحة التي يتميز بها المعتزلة. فيقال: قد يكون ذلك، ولكنها تعكس حقيقة مواقفهم من الإيمان وتطبيقاته وقد بلغ الأمر بثمامة إلى التهوين من شأن بعض الشعائر، والسخرية من المسلمين وتنقص شأن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد (رأى قوما يتعادون يوم الجمعة إلى المسجد لخوفهم فوت الصلاة فقال: انظروا إلى البقر انظروا إلى الحمير). ثم قال لرجل من إخوانه: ما صنع هذا العربي بالناس؟ (٨).


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٩).
(٢) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٨).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٩١).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٩٧).
(٥) رواه مسلم (٢٢٤) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٧٣).
(٧) ((الفرق بين الفرق)) (١٧٤).
(٨) ((تأويل مختلف الحديث)) (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>