للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحدثت مواقفهم هذه أزمة حادة بينهم وبين مصدر الشريعة الإسلامية خاصة الحديث حيث حكموا الهوى فردوا ما يتعارض وآراءهم من الأحاديث، وهو أمر لا يجوز أن يمر دون موقف صارم يقفه رجال الإسلام المتمسكون بالقرآن والسنة بعيدا عن كل تأثير أجنبي. والذي زاد الطين بلة هو استخدام المعتزلة للعنف لفرض آرائهم، فقد استغل بعض المعتزلة ممن وصل إلى قلوب بعض الخلفاء العباسيين كالقاضي أحمد بن أبي دؤاد الذي عاصر ثلاثة منهم هم المأمون والمعتصم والواثق، وكان له في قلب كل منهم مكان وسلطان، حتى أن المأمون كان قد أوصى أخاه المعتصم بملازمة ابن أبي دؤاد فقد استغل نفوذه لديهم حتى أنه حمل الواثق على أن يرسل إلى القضاة في سائر البلاد ليمتحنوا الناس في القرآن. وأمرهم ألا يقبلوا شهادة من لم يقبل بالتوحيد (١).ولم يتورعوا عن اغتيال المخالفين لهم في الرأي، فقد كان (عباد بن سليمان يرى قتل الغيلة في مخالفيه إذا لم يخف شيئا) (٢)، كما كانوا يرون الثورة والاستيلاء على الحكم بالقوة لفرض آرائهم، فهم يقولون: (إذا كنا جماعة، وكان الغالب عندنا أنا نكفي مخالفينا عقدنا للإمام، ونهضنا فقتلنا السلطان وأزلناه، وأخذنا الناس بالانقياد لقولنا فإن دخلوا في قولنا الذي هو التوحيد وفي قولنا في القدر، وإلا قتلناهم) (٣).وهذا مخالف للشريعة التي تحرم سفك الدماء. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((. . فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام)) (٤).٤ - مقاومتهم فكريا: وقد تولى أهل السنة والجماعة أيضا مقاومة المعتزلة فكريا وذلك بتأليف المصنفات التي تكشف ما وقعوا فيه من خروج عن الشرع وعن إجماع المسلمين وإبراز ما وقعوا فيه من تناقض وخطل، حتى يوقفوا المسلمين على حقيقة أمرهم فيتجنبوهم. وقد جعلت الأحقاد بعض أهل السنة يغالي في تبشيع المعتزلة وتفكيرهم، فهذا ابن قتيبة يؤلف تأويل مختلف الحديث ليرد على الشبه والضلالات التي ارتمى فيها المعتزلة. فهو وإن ذكر في مقدمة كتابه (وأرجو أن لا يطلع ذو النهى مني على تعمد لتمويه، ولا إيثار لهوى ولا ظلم لخصم (٥) فإنه بلغ الحديث الإقناع في تصوير ظلم المعتزلة وضلالهم. كما أن عبد القاهر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) أسرف في تكفير المعتزلة واستباحة دمائهم وأموالهم (٦). وقد ألف إلى جانب (الفرق بين الفرق) كتابا سماه (الحرب على ابن حرب) نقض فيه أصول وفصول كتاب جعفر بن حرب الحافل بالضلالات (٧).ولأبي الحسن الأشعري الذي عاش ردحا طويلا من عمره معتزليا حتى بلغ مرتبة الإمامة فيهم ألف في كشف فضائح المعتزلة (الإبانة في أصول الديانة) لما فتح الله بصيرته وأوقفه على حقيقة أمرهم. كما كتب مقالات الإسلاميين، وقد تناول فيها أصول المعتزلة بالنقض والطعن وقد مات وهو يلعن المعتزلة لأنه كان شديد الكره لهم والنقمة عليهم (٨).

وألف ابن حزم الفصل والشهرستاني الملل والنحل، وأبو الفرج بن الجوزي مناقب الإمام أحمد بن حنبل، وهي مؤلفات تثبت جميعها تمسك أهل السنة بالشريعة الصحيحة الخالية عن الهوى كما تصور زيغ المعتزلة عن السبيل ووقوعهم في المحظور نتيجة تأثرهم بالتيارات الداخلية وعدائهم لأصول الشريعة.


(١) ((أدب المعتزلة)) (١٥٥).
(٢) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٥٧).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٥٧).
(٤) خرجه البخاري كتاب العلم ((فتح الباري)) (١/ ١٦٨) – مسلم ٣/ ١٣٠٦ – الترمذي ٤/ ٤٦١ – ابن ماجه ٢/ ١٠١٥ – الدارمي ١/ ٣٩٣.
(٥) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٣).
(٦) ((أدب المعتزلة)) (١٦١).
(٧) ((الفرق بين الفرق)) (١٦٩).
(٨) ((أدب المعتزلة)) (١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>