ذكر أن آيات الأنبياء الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، وأن النبي الصادق خير الناس، والكاذب على الله شر الناس، وبينهما من الفروق ما لا يحصيه إلا الله. فكيف يشتبه هذا بهذا، بل لهذا من دلائل صدقه، ولهذا من دلائل كذبه ما لا يمكن إحصاؤه، وكل من خص دليل الصدق بشيء معين فقط غلط. بل آيات الأنبياء هي من آيات الله الدالة على أمره ونهيه ووعده ووعيده. وآيات الله كثيرة متنوعة كآيات وجوده ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته سبحانه وتعالى.
والقرآن مملوء من تفصيل آياته وتصريفها وضرب الأمثال في ذلك، وهو يسميها آيات وبراهين. وقد ذكرنا الفرق بين الآيات والمقاييس الكلية التي لا تدل إلا على أمر كلي في غير هذا الموضع.
الوجه الثاني عشر: إن ما يأتي به الساحر والكاهن وأهل الطبائع والصناعات والحيل، وكل من ليس من أتباع الأنبياء لا يكون إلا من مقدور الإنس والجن، فما يقدر عليه الإنس من ذلك هو وأنواعه والحيل فيه كثير. وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور الإنس من ذلك هو وأنواعه والحيل فيه كثير. وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور الإنس وإنما يختلفون في الطريق، فإن الساحر قد يقدر على أن يقتل إنساناً بالسحر أو يمرضه أو يفسد عقله أو حسه وحركته وكلامه بحيث لا يجامع أو لا يمشي أو لا يتكلم ونحو ذلك، وهذا كله مما يقدر الإنس على مثله لكن بطرق أخرى، والجن يطيرون في الهواء وعلى الماء، ويحملون الأجسام الثقيلة كما قال العفريت لسليمان: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ [النمل: ٣٩] وهذا الجنس يكون لمن هو دون الإنس والجن من الحيوان كالطيور والحيتان والإنس يقدر على جنسه، ولهذا لم يكن هذا الجنس آية لنبي لوجوده لغير الأنبياء فكثير من الناس تحمله الجن بل شياطين الجن وتطير به في الهواء وتذهب به إلى مكان بعيد، كما كان العفريت يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى مكان بعيد.