للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول د. يوسف القرضاوي – مقللاً من أهمية بقاء الحوار مع المتكلمين المؤولة-: "ولهذا قلت لإخواننا العلماء في قطر والمملكة العربية السعودية حين سمعت بعضهم يجادل في قضية الصفات بين السلف والخلف، وما فيها من جدل وكلام طويل الذيول: إن المعركة اليوم ليست مع الأشاعرة ولا مع الماتريدية، ولا المعتزلة والجهمية، إن معركتنا اليوم مع الملاحدة الذين لا يؤمنون بإله ولا نبوة، ولا كتاب، ليست معركتنا مع الذين يقولون عن الله: ليس له مكان، بل مع الذين يقولون: ليس له وجود، وعلينا أن نخلقه كما قال أحدهم! ليست معركتنا مع الذين يؤولون صفات الله تعالى، بل مع الذين يجحدون الله بالكلية، وأي تحويل للمعركة عن هذا الخط يعتبر توهيناً للصف، وفراراً من الزحف، وإعانة للعدو. ومن الإنصاف أن أقول: إني وجدت تجاوباً رائعاً من علماء قطر، والمملكة العربية السعودية نحو هذا الاتجاه، فيما عدا القليل منهم." (١).

أقول: هذا كلام غير مقبول لأمور: الأول: أن هذا التوجه الأحادي الانتقائي تجاه الملل والنحل الضالة ينافي المنهج الإسلامي القويم الذي بعث الله به رسله، والذي يقضي بوجوب إقامة الدين الحق، ومحاربة كل ملة أو نحلة ضالة مخالفة للدين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: ٣٣ والفتح ٢٨].

الثاني: مقتضى هذا القول: أن المعركة ليست بيننا وبين اليهودية والنصرانية المحرفين باعتبار أهلهما مقرين بوجود الله، وهذا ضرب من الإرجاء خطير.

الثالث: مما يقرب هذا اللازم أن كلام القرضاوي هذا – وإن كان غريباً لدى سائر المسلمين – ليس غريباً على منهج المدرسة التي ينتمي إليها، فقد بني هذا الكلام – كما يبدو لي – على أساس حاول شيخه البنا إقامته منذ مدة طويلة، حيث ألقي في ٥/ ٣/١٩٤٦م كلمة أمام "اللجنة الأمريكية البريطانية" التي كانت تجول حول العالم العربي بخصوص تمييع قضية فلسطين، والعمل على تهجير اليهود إليها، ألقى الشيخ البنا كلمته أمام هذه اللجنة باعتباره ممثلاً للحركة الإسلامية، جاء فيها: "الناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية، إلا أن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي، فأريد أن أوضحها باختصار فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن تكون قومية، وقد أثنى عليهم، وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: ٤٦] وعندما أراد القرآن أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية، قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: ١٦٠] " (٢).وقال الشيخ البنا – في مؤتمر صحفي عقد في ٥/ ٩/١٩٤٨م للاحتفال بمرور ٢٠ عاماً على إنشاء الجماعة-: "وليست حركة الإخوان المسلمون موجهة ضد عقيدة من العقائد، أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف، إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعاً قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية، والإباحية وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذين الخطرين الزاحفين" (٣).


(١) ((وجود الله)) (ص ٦).
(٢) محمود عبدالحليم: ((الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ)) (١/ ٤٠٩ - ٤١٠) / الإسكندرية/ ١٤٠٦هـ.
(٣) عباس السيسي: ((في قافلة الإخوان المسلمين)) (١/ ٢٦٢ - ٢٦٣) / الإسكندرية/ ط٢/ ١٤٠٧هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>