للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتزاليات الغزالي تبدو لقارئ كتابه المذكور من ركوبه صهوة العقل رد كثير من النصوص الثابتة، ومن موقفه من نصوص القدر حيث يؤولها إلى الاختيار المطلق كما يقول المعتزلة، وإليك نتفاً من ذلك الكتاب:- يقول الغزالي: "والقول بأن كتاباً سبق بذلك (يعني بمصير الإنسان) وأنه لا حيلة لنا بإزاء ما كتب أزلاً هذا كله تضليل وإفك" (١).وقال: "ومن ثم فإننا نتناول بحذر شديد ما جاء في حديث مسلم: ((فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ... الخ)) (٢). إذا كان الحديث المذكور تنويهاً بشمول العلم الإلهي، وأن بدايات بعض الناس قد تكون مخالفة لنهاياتهم فلا بأس من قبوله بعد الشرح المزيل للبس المبطل للجبر، أما المعنى القريب للحديث فمردود يقيناً" (٣).والمثير هنا مطابقة نظر الغزالي مع نظر النظام في رد هذا الحديث حيث نسب رواية ابن مسعود رضي الله عنه إلى الكذب، وعد مدلوله من الجبر، فرد عليه العلامة ابن قتيبة رداً بليغاً (٤).قال الدكتور ربيع بن هادي: "أي أنه إن انقاد له الحديث ذليلا إلى مذهب المعتزلة البعيد فلا بأس به، تفضلا من الغزالي وتكرماً على الحديث المسكين، وإن أبى واستعصى عليه فلا يفهم منه إلا ما فهم أهل السنة والجماعة فمردود يقيناً" (٥).وعلى هذا السبيل المعوج سار الغزالي في هذا الباب، فيصف أحاديث القدر بأنها "لا تخدم إلا مبدأ الجبر" ويقول عن هذه الأحاديث: "إن متونها توقفنا أمامها واجمين لنبحث عن تأويل لها أو مخرج" ثم في آخر كتابه يطلق مدفع النصر، ويصفق لنفسه قائلاً: "وقد استطعت بشيء من التكلف أن أصرف شبهة الجبر عن آثار شتى" (٦).


(١) انظر ((تأويل مختلف الحديث)) (ص ٢١ - ٢٢).
(٢) رواه البخاري (٣٢٠٨) , ومسلم (٢٦٤٣) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) ((السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)) (ص ١٤٥) / بيروت/ دار الشروق/ ١٤٠٩هـ.
(٤) انظر في ((تأويل مختلف الحديث)) (ص ٢١ - ٢٢).
(٥) ((كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها)) (ص ١٩٥) / المدينة/ مكتبة ابن القيم/ ١٤١٠هـ.
(٦) ((كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها)) (ص ١٥٧، ١٥٨، ١٦٠) على التوالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>