للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن تحديد ما تجتمع عليه آراء تلك المدرسة في كلمة واحدة هي "التطوير" أو العصرانية كما تترجم عن الإنجليزية " Modernism" وما تعنيه من تناول أصول الشريعة وفروعها بالتعديل والتغيير، تبعا للمناهج العقلية التي اصطنعها الغرب حديثا، أو ما تمليه عقليات أرباب ذلك المذهب، التي تتلمذت لتلك المناهج. . ولا يسلم من هذا التطوير أمر من أمور الشريعة كأصول الفقه والحديث أو التفسير أو مسائل الفقه كالحجاب والطلاق أو تعدد الزوجات، والحدود أو الطامة التي عرفت بالتقارب بين الأديان.

على رأس تلك المدرسة السير أحمد خان الهندي، الذي منح لقب "سير" من قبل السلطات البريطانية تكريما له، والذي يرى أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي يجب أن نستقي منه أحكام الشريعة، والأحاديث لا يعتد بها في هذا الشأن لتأخر تدوينها، ولأن أكثريتها أحاديث آحاد لا تفيد يقينا، كما يحل الربا البسيط في التجارة والمعاملات، ويرفض عقوبة الرجم والحرابة، وينفي شرعية الجهاد لنشر الدين. ويحل سيد أمير علي – تلميذ أحمد خان – زواج المسلمة من كتابي، والاختلاط بين الرجل والمرأة. كذلك يرى محمد أسد أن الله سبحانه لا يوصف إلا بالصفات السلبية (الإيمان ليس كذا وليس كذا. .) تماما كما قالت المعتزلة (١)، وينحو منحى محمد عبده في إنكار المعجزات المادية، كتفسير إهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل!.

ومن المعاصرين الأحياء، ينادي د. محمد فتحي عثمان بتطوير العقيدة والشريعة معا في كتابه عن الفكر الإسلامي والتطور، ويزيد الدكتور حسن الترابي خطوة فيدعو إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: "إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهادا في الفروع وحدها، وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضا" (٢)، ويشكك محمد سعاد جلال في إمكانية وجود النبي صلى الله عليه وسلم قاطع في الشريعة ثبوتا ودلالة، حتى القرآن الكريم، الذي وإن كان ثابتا من جهة النقل، إلا أن الظن يتطرق إليه من قبل الدلالة. .ويدعو عبد اللطيف غزالي إلى دثر التراث كله حيث يقول: "أما علوم سلف المسلمين فهي شيء متخلف غاية التخلف بالنسبة لما لدينا، ولا أقول لما لدى الأوربيين من علوم. . " (٣).

وفي مجال الفقه يعبر د. فتحي عثمان عن حجاب المرأة ومسألة عدم الاختلاط بقوله: "فإذا التقى الرجل والمرأة في ظروف طبيعية هادئة محكمة، فلن يغدو هذا اللقاء قارعة شديدة الوقع .. سيألف الرجل رؤية المرأة ومحادثة المرأة ومعاملة المرأة، في إطار من الدين والخلق تحدد معالمه تربية الأسرة وعرف المجتمع ورعاية الدولة، وستألف المرأة بدورها الرجل فيهدأ السعار المضطرم ولا يكون هناك مجال للانحراف والشذوذ، وتتجمع لدى الطرفين خبرات وحصانات وتجارب".

سبحان الله العظيم! وكأن تجربة الأوربيين في الاختلاط لقرون عديدة أنتجت الخبرات والحصانات، وكفلت الإحصان للمرأة والرجل! إن هذا إلى جانب كونه افتياتا على الشريعة الحنيفة، فهو جهل بالفطرة الإنسانية التي يعلم حقيقتها خالقها سبحانه. ويعلن عبد اللطيف غزالي "نحن اليوم لا نجد حرجا في التفكير في تقييد حق الرجل في الأربع وتقييد حقه في الطلاق" (٤).


(١) ((عن مفهوم تجديد الدين)) بسطامي محمد سعيد (١٥١).
(٢) عن بحث ((الدعوة إلى التجديد)) عصام أحمد البشير
(٣) عن بحث ((الدعوة إلى التجديد)) عصام أحمد البشير
(٤) ((بحث الدعوة إلى التجديد)) (٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>