للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن وإن كنا لا نزعم أن كل انحراف في تقنين الأحكام الشرعية وميل بها عن الحق أنه أثر من آثار المدرسة العقلية إلا أننا نؤكد أن كثيراً من ذلك يستند إلى آرائهم ويستدل بأقوالهم ويستشهد بها وما هذا إلا معيار لتأثرهم بها، نذكر من هذا مسألة تعدد الزوجات دع عنك تحرير المرأة وخروجها إلى العمل واختلاطها بالرجال في ميادينه ... الخ. وقد سبق للشيخ عبده أن دعا إلى تطبيق ما ذهب إليه في مسألة تعدد الزوجات ونحن نذكر دعوته هنا حتى ندرك أن ما حدث بعد إنما هو من آثاره ومدرسته قال: "لا سبيل إلى تربية الأمة مع فشو تعدد الزوجات فيها فيجب على العلماء النظر في هذه المسألة خصوصاً الحنفية منهم الذين بيدهم الأمر وعلى مذهبهم الحكم فهم لا ينكرون أن الدين أنزل لمصلحة الناس وخيرهم وأن من أصوله منع الضرر والضرار فإذا ترتب على شيء مفسدة في زمن لم تكن تلحقه فيما قبله فلا شك في وجوب تغير الحكم وتطبيقه على الحال الحاضرة" (١).إذن فهو يدعو إلى تغيير الحكم؟! ترى هل يدعو إلى تغييره دفعة واحدة أو بطريقة أخرى؟! يفسر هذا تلميذه السيد رشيد بقوله "إن قاعدة اليسر في الأمور ورفع الحرج من القواعد الأساسية لبناء الإسلام يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥] ومَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ [المائدة: ٦] ولا يصح أن يبني على هذه القاعدة تحريم أمر تلجئ إليه الضرورة أو تدعو إليه المصلحة العامة أو الخاصة .. وهو مما يشق امتثاله دفعة واحدة لا سيما على من اعتادوا المبالغة فيه من المفاسد فلم يبق إلا أن يقلل العدد ويقيد بقيد ثقيل وهو اشتراط انتفاء الخوف من عدم العدل بين الزوجات وهو شرط يعز تحققه ومن فقهه واختبر حال الذين يتزوجون بأكثر من واحدة يتجلى له أن أكثرهم لم يلتزم الشرط ومن لم يلتزمه فزواجه غير إسلامي" (٢)؟!!

إذن فليس الأمر في المنع "دفعة واحدة" لأنه يشق على من اعتادوا المبالغة فيه والحال أن يقيد بقيد ثقيل .. وهو شرط يعز تحققه .. ومن لم يلتزمه فزواجه غير إسلامي.

وليس المانع من إلغاء التعدد دفعة واحدة "أمر شرعي وإنما المشقة على من اعتادوا المبالغة فيه، والعلاج التدرج في ذلك إلى أن يصل الأمر إلى اعتياد الناس على عدم التعدد ولا يشق على أحد إلغاؤه ومن ثم إلغاء التعدد.

لن أذكر هنا أثر تلك الدعوة على الأفراد في أقوالهم ودعواتهم لأنها كلها تنتهي إلى الدعوة إلى تطبيقه وتقنيته وإذا ما اكتفينا بذكر القوانين التي سنتها بعض الدول المسلمة في ذلك نكون قد تجاوزنا آراءهم إلى النتيجة والنتيجة هدفنا من الإشارة إلى الأثر.

وفي الواقع أن الدول التي تأثرت بهذه الدعوة انقسمت إلى قسمين ولا يزال بعضها في مرتبة "قيد ثقيل يعز تحققه .. ومن لم يلتزمه فزواجه غير "إسلامي"، واستطاع بعضهم أن يصل إلى مرتبة "دفعة واحدة".


(١) ((تفسير المنار)) محمد رشيد رضا (٤/ ٣٤٩ - ٣٥٠).
(٢) ((تفسير المنار)) (٤/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>