للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كان خروج سهم بن غالب الهجيمي والخطيم واسمه يزيد بن مالك سنة ٤٦هـ عند الطبري، وعند ابن الأثير إن بدء خروجهما كان سنة ٤١هـ ونهايته كانت سنة ٤٦هـ، فلما اجتمع لسهم سبعون رجلا خرجوا على ابن أبي عامر الوالي من قبل معاوية.

خرج هؤلاء فنزلوا بين الجسرين والبصرة، وهناك أخذوا في ارتكاب جرائم القتل، وكانوا أشرارا يقتلون من يقول إنه مسلم ويتركون من يقول إنه من أي ملة كان، ففي أثناء ذلك الخروج مر بهم الصحابي عبادة بن فرص الليثي راجعا من غزو الكفار، ومعه ابنه وابن أخيه فقال لهم الخوارج: من أنتم؟ قالوا: قوم مسلمون. قالوا: كذبتم. قال عبادة: سبحان الله! اقبلوا منا ما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مني، فإني كذبته وقاتلته ثم أتيته فأسلمت فقبل ذلك مني، قالوا: أنت كافر وقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخيه. وقد خرج لقتالهم ابن عامر بنفسه فقتل منهم وانتصر عليهم واستأمن بقيتهم، وكان فيهم سهم والخطيم فآمنهم، فلما تولى زياد البصرة – وقيل في ولاية ابن زياد – خاف سهم منه وخرج إلى الأهواز واجتمع إليه الناقمون على بني أمية، ثم أقبل يريد أخذ البصرة ولحسن الحظ أن جيشه قد تفرق عنه حين دخل البصرة حتى لم يبق إلا هو وحده فطلب الأمان لنفسه، ولكن صادف رجلا لا يعرف الرحمة فأخذه وقتله وصلبه في داره، وأما الخطيم فإن زيادا سيره إلى البحرين ثم أذن له في الرجوع إلى البصرة على أنه إذا بات ليلة خارج داره فقد أذن في قتله، وذات ليلة لم يبت في بيته فجاء مسلم بن عمرو وقال لزياد: إن الخطيم لم يبت الليلة في بيته، فأخذه زياد وقتله وانتهت حركتهم. وقد رثى أحد الخوارج سهما بقوله:

فإن تكن الأحزاب باءوا بقتله ... فلا يبعدن الله سهم بن غالب (١)

ثم خرج قريب بن مرة وزحاف بن زحر الطائي سنة ٥٠هـ.

وكان هذان الرجلان ابني خالة وكانا من العابدين المجتهدين بالبصرة، ولما غلبت عليهما شقوتهما خرجا بقلوب تغلي غيظا على المجتمع وقد اختلف في أيهما كان الرئيس، وذلك في ولاية ابن زياد على الكوفة، فحينما خرجا أخذا يستعرضان الناس استعراضا، وكانا قد أشاعا القتل والخوف فيهم لا يبالون بمن قتلوه كائنا من كان ما دام قد وجد أمامهم، حتى إنهم مروا بشيخ ناسك من بني ضبيعة يسمى رؤية الضبعي أو حكاك، فقال حين رآهم: مرحبا بأبي الشعثاء، فلم تشفع له شيخوخته عندهم بل قتلوه، وكانوا إذا مروا ببلد يهرب أهل تلك البلد إلى بيوتهم ويتنادون: الحرورية الحرورية، النجا النجا.

وكان رجل من بني قطيعة حين سمع بهم أخذ سيفه فناداه الناس: الحرورية! انج بنفسك، فنادوه: لسنا حرورية نحن الشرط فلا تخف؛ فوقف، فلما أخذوه قتلوه وصاروا يتنقلون بين القبائل فلا يمرون بقبيلة إلا قتلوا من تمكنوا من أخذه، ولما مروا ببني علي من الأزد وكان هؤلاء رماة مهرة وكان فيهم مائة يجيدون الرمي وقفوا لهم ورموهم رميا شديداً، حتى صاح الخوارج: يا بني علي، لا رماء بيننا البقيا. ولكن هذا النداء لم يسمع منهم، فقال رجل يحرض عليهم:

لا شيء للقوم سوى السهام ... مشحوذة (٢) في غلس الظلام

فهربت الخوارج منهم وأتوا مقبرة لبني يشكر ثم أتوا إلى مزينة فقتلهم الناس عن آخرهم. ولما بلغ خبرهما إلى أبي بلال الخارجي لم يرضه اعتراضهما الناس على هذه الصورة الوحشية، فقال: قريب لا قربه الله من الخير، وزحاف لا عفا الله عنه فلقد ركباها عشواء مظلمة. أو نحو هذا الكلام.


(١) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٢٢٨). وانظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٧، ٤١٨).
(٢) مشحوذة: أي محددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>