للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر الطبري وابن الأثير أن خروجهما كان سنة ٥٠ بالبصرة وأن زيادا حين بلغه خروجهما قال لأهل البصرة: والله لتكفنني هؤلاء أو لأبدأن بكم، والله لئن أفلت منهم رجل واحد لا تأخذون العام من عطائكم درهما. أما البغدادي فيذكر أن خروجهما كان على عبيد الله بن زياد فأرسل إليهم عباد بن الحصين الحبطي فقتلهم (١).ثم خرج زياد بن خراش العجلي في مكان يسمى مسكن من أعمال سواد العراق ومعه ثلاثمائة فارس، فأرسل زياد فرقة من الجيش قتلته ومن معه سنة ٥٢هـ (٢).

ثم خرج طواف بن غلاق سنة ٥٨هـ.

وقد كان بالبصرة رجل اسمه جدار يجتمع إليه الخوارج فيعيبون خلافة بني أمية، فلما علم بهم ابن زياد أخذهم وحبسهم ثم اخترع طريقة في العفو عنهم وهي أن يقتتلوا فيما بينهم فمن نجا أطلق سراحه، فقام بعضهم بقتل بعض كأنهم كلاب مسعورة، وكان فيمن نجا طواف بن غلاق.

ولما خرجوا عابهم أصحابهم قائلين لهم: قتلتم إخوانكم؟ فقالوا: أكرهنا، وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان، فعرضوا الدية على أولياء المقتولين فأبوها، ثم عرضوا عليهم القصاص فأبوا؛ فعظم الندم في نفوسهم على فعلتهم هذه، وكانوا يبكون ويقولون: أما من توبة، وكان طواف قد بلغ به الجزع والحزن مبلغا عظيما فأتى رجلا يسمى الهثهاث فقال له: أما ترى لنا من توبة؟ فقال له: لا أجد لكم إلا آية في كتاب الله وهي ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل: ١١٠].

فخرج طواف في يوم عيد الفطر ومعه سبعون رجلا فأخذوا يقتلون الناس مستعرضين لهم، فاجتمع عليهم الناس فقتلوهم عن آخرهم فقال رجل منهم يرثيهم:

يا رب هب لي التقى والصدق في ثبت ... واكف المهم فأنت الرازق الكافي

حتى أبيع التي تفنى بآخرة ... تبقى على دين مرداس وطواف

وكهمس وأبى الشعثاء إذا نفروا ... إلى الإله وذي الإخبات زحاف (٣)

ثم كان خروج أبي بلال مرداس بن أدية الحنظلي سنة ٦١هـ.

خرج أبو بلال في أربعين شخصا بناحية الأهواز في توج، وكان عظيم القدر عند الخوارج لا يعدلون به أحدا. كان عابدا مجتهدا كل الخوارج تتولاه وكل فريق ينسبه لنفسه، حتى الشيعة فقد ادعت أنه خرج غاضبا لآل البيت وكان حين خرج يقول لمن لقيه: " إنا لا نريد قتال ولا نروح أحدا، وإنما هربنا من الظلم ولا نأخذ من الفيء إلا أعطياتنا ولا نقاتل إلا من قاتلنا ".

وقد مر به مال لعبيد الله بن زياد فاستوقفه وأخذ أعطيات أصحابه ثم ترك الباقي، وقال لمن يحملون ذلك المال: " قولوا لصاحبكم إنما أخذنا أعطياتنا "، فقال له أصحابه: لماذا تترك الباقي؟ قال: " إنهم يقسمون هذا الفيء كما يقيمون الصلاة فلا تقاتلوهم ما داموا على الصلاة ".


(١) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٢٣٧، ٢٣٨). ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤٦٣)، ((العقد الفريد)) (١/ ٢٢٠، ٢٢١). ((شرح نهج البلاغة)) (٤/ ١٣٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٢).
(٢) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤٩١).
(٣) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٥١٦، ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>