للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين بلغت أخبارهم ابن زياد وجه إليهم جيشا مكونا من ألفي رجل بقيادة أسلم بن زرعة الكلابي أو زرعة بن مسلم العامري، ويذكر الطبري أنه ابن حصن التميمي، فالتحموا مع الخوارج في معركة حامية انهزم فيها جيش الخلافة شر هزيمة، فلما وصل المنهزمون إلى ابن زياد غضب عليهم، ثم وجه إلى الخوارج قائدا آخر هو عباد بن أخضر التميمي، وفي أثناء المعركة – وكان يوم جمعة – طلب أبو بلال من عباد وجيشه إمهالهم حتى تؤدى الصلاة فأجابوهم، فلما دخلوا في الصلاة شدوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم سنة ٦١هـ، وهم بين راكع وساجد وقائم في الصلاة وقاعد، فرجع القائد عباد ظافرا إلا أنه قد نال منيته على أيدي بعض الخوارج الذين كانوا في البصرة منهم عبيدة بن هلال؛ فقد استوقفوا عبادا كأنهم خصماء فيما بينهم في رجل قتل أخاهم ولم ينصفهم أحد فقال لهم عباد: اقتلوه قتله الله؛ فنزلوا عليه ضربا بالسيوف حتى قتلوه.

وقد رثى الخوارج مرداسا رثاء محزنا خصوصا تلك القتلة التي تمت بالغدر، ومن هذه المراثي قول عمران بن حطان:

أصبحت عن وجل مني وإيجاس (١) ... أشكو كلوم جراح ما لها آسي

يا عين ابكي لمرداس ومصرعه ... يا رب مرداس اجعلني كمرداس

أبقيتني هائما أبكي لمرزئتي ... في منزل موحش من بعد إيناس

أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

أما شربت بكأس دار أولها ... على القرون فذاقوا جرعة الكاس

فكل من لم يذقها شارب عجلا ... منها بأنفاس ورد بعد أنفاس

ومما يجدر ذكره أن أبا بلال كان مع جيش علي في صفين أثناء الحرب بين علي ومعاوية. وقد قيل عن سبب خروجه أن ابن زياد قد توعد امرأة خارجية يقال لها البثجاء فقال لها مرداس: إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك. قالت: أخشى أن يلقى أحد بسببي مكروها، ولما أخذها ابن زياد قطع يديها ورجليها ورمى بها في السوق، فمر أبو بلال في السوق فرأى زحام الناس فجاء فلما شاهد البثجاء عض على لحيته، وقال يخاطب نفسه: " هذه أطيب نفسا بالموت منك يا مرداس، ما ميتة أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء ". فكانت أمنيته أن يموت كميتة البثجاء التي جادت بنفسها في جهاد ابن زياد (٢).

وكان أبو بلال شخصية مثالية عند الشيعة والخوارج والمعتزلة، فكل فرقة من هذه الفرق تدعيه كما تقدم. يقول ابن أبي الحديد في هذا: " وكان أبو بلال عابدا ناسكا شاعرا ومن قدماء أصحابنا من يدعيه لما كان يذهب إليه من العدل وإنكار المنكر، ومن قدماء الشيعة من يدعيه أيضا" (٣).

وفي أوائل الستينات وأثناء خروج أبي بلال الذي تحدثنا عنه آنفا ظهر نافع بن الأزرق بفرقته ثم تتابع ظهور الفرق بعده.

ومع ذلك فقد ظل ظهور الخوارج بحركاتهم الحربية التي قدمناها – ظل ظهورهم يتتابع خلال بقية الحكم الأموي.


(١) أي مشفقا متحسبا لما يحدث.
(٢) ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٣١٣)، ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٥١٨، ٥٢٠)، (٤/ ٩٤، ٩٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١ - ٩٣)، ((العقد الفريد)) (١/ ٢١٧، ٢١٨)، وانظر أيضا: (ص٣٩٩، ٤٠٠)، وانظر: ((شرح نهج البلاغة)) (٤/ ١٣٦).
(٣) ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٣١٣)، ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٥١٨، ٥٢٠)، (٤/ ٩٤، ٩٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١ - ٩٣)، ((العقد الفريد)) (١/ ٢١٧، ٢١٨)، وانظر أيضا: (ص٣٩٩، ٤٠٠)، وانظر: ((شرح نهج البلاغة)) (٤/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>