للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عهد عبد الملك بن مروان بدأ خروج الصالحية التي يجعلها بعض العلماء فرقة من الفرق، بينما هي في الحقيقة حركة ثورية – أكثر منها فرقة دينية – من تلك الحركات التي كانت تحدث بين آونة وأخرى على الخلفاء الأمويين تزعمهم صالح بن مسرح أو ابن مشروح كما يسميه بعضهم، حين خرج في هلال شهر صفر سنة ٧٦هـ، وكون له جماعة حارب بهم جيش الأمويين، وكانت له بعض الآراء التي أخذها من أسلافه من الخوارج قبله.

يقول عنه صاحب كتاب (الأديان): " الفرقة السادسة: الصالحية أصحاب صالح بن مشروح استحل من قومه ما استحله منهم ابن العسم من القتل والسبا وغنيمة الأموال، ولم يزل كذلك حتى أهلكه الله ".

ويقول الأشعري: " ومن الخوارج أصحاب صالح ولم يحدث صالح قولا تفرد به ويقال إنه كان صفريا ". هذا ما ذكره عنهم الأشعري ولم ينسب إليهم شيئا من الآراء، إلا ما قال عنهم من أنهم أوصلوا الذنب المغلظ إلى أنه عبادة للشيطان، ويذكر ابن الأثير أن اسم زعيمهم هو صالح بن مسرح التميمي وأنه كان رجلا ناسكا مصفر الوجه صاحب عبادة، وكان بدارا وأرض الموصل والجزيرة قد تزعم أصحابه يقرئهم القرآن ويعلمهم الفقه والقصص. فلما اجتمع له أقل ما يريد قيل: (١٢٠) وقيل: (١١٠) دعاهم إلى الخروج وكاتب شبيبا في ذلك فأجابه شبيب وأقبل ومعه جماعة من أصحابه إلى دارا، وحينئذ عزم صالح على الخروج، ولكن تلك الجهات قد تحصنت منه، ولما بلغ محمد بن مروان (١) مخرجهم – وهو أمير الجزيرة حينذاك – أرسل إليهم جيشا يقوده عدي بن عدي الكندي في ألف فارس، ولكن صالحا باغتهم فانهزموا هزيمة منكرة وهرب عدي فانتهب الخوارج ما وجدوا في معسكر عدي، وحين أقبلت فلول عدي غضب عليهم محمد بن مروان، فأرسل لهم قائدين أيهما وصل الأول فهو أمير صاحبه أحدهما خالد بن جزء السلمي في ألف وخمسمائة فارس، والثاني الحارث بن جعونة العامري وبعثه في ألف وخمسمائة فارس، فالتقوا بصالح في آمد. ولكن صالحا قسم جيشه إلى قسمين أيضا قسم بقيادة شبيب وكان من أشجع الفرسان وجهه إلى الحارث بن جعونة، وقسم بقيادته هو وتوجه إلى خالد فنشبت المعركة من وقت العصر إلى الليل وكثر الجرحى والقتلى في جيش الخلافة، وقتل من أصحاب صالح ثلاثون رجلا، وفي الليل تم رأيهم على أن يذهبوا إلى الدسكرة.

وحين وصلت أخبارهم إلى الحجاج بعث لهم جيشا من أهل الكوفة يبلغ ثلاثة آلاف بقيادة الحارث بن عميرة بن ذي المشعار الهمداني، وحين وصلوا إلى صالح بن مسرح بدأت المعركة وكان صالح في تسعين رجلا واشتدت المعركة جدا فقتل صالح فيها وكاد شبيب أن يقتل وحينذاك نادى من بقي من أصحابه وكانوا ٧٠ رجلا: إلي يا معاشر المسلمين؛ فلاذوا به فقال لأصحابه: ليجعل كل واحد منكم ظهره إلى ظهر صاحبه وليطاعن عدوه، حتى ندخل هذا الحصن ونرى رأينا. وفعلا تقدموا إلى الحصن وتحصنوا به فأمر الحارث بالباب أن يحرق فحرق فقال لأصحابه: إنهم لا يقدرون في الخروج منه ومصبحهم غدا فنقتلهم، وقد بايع الخوارج شبيبا في ليلتهم تلك، ثم أتوا باللبود فبلوها وجعلوها على جمر الباب وخرجوا، فلم يشعر الحارث ومن معه إلا والخوارج يضربون رؤوسهم بالسيوف فصرع الحارث فاحتمله أصحابه وانهزموا نحو المدائن هاربين، فأخذ شبيب كل ما بقي في معسكر الحارث (٢).


(١) هذا ما يذكره ابن الأثير والطبري وأكثر أهل الفرق، وأما البغدادي فيذكر أن خروج صالح كان في ولاية بشر بن مروان ويذكر عن المدايني أنه يقول بأن خروج صالح كان في زمن الحجاج. ((الفرق بين الفرق)) (ص١١٠).
(٢) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٦/ ٢١٥، ٢٢٣)، ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٣٩٣، ٣٩٦)، كتاب ((الأديان)) (ص١٠٣)، ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ١٩٦، ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>