وشبيب هذا هو شبيب بن نعيم بن يزيد الشيباني ويكنى بأبي الصحاري، وله من الشجاعة والمعرفة بفنون الحرب ما يكاد يكون خيالا. لقد كان قائدا فذا مجربا للحروب يروغ روغان الثعلب ويهجم هجمة الأسد، قتل من جيش الخلافة الآلاف والعديد من القواد رغم قلة جيشه.
ويختلف النقل في كيفية تولي شبيب القيادة بعد صالح؛ فالبغدادي يذكر أن صالحا حين أحس بالموت قال لأصحابه: قد استخلفت عليكم شبيبا وأعلم أن فيكم من هو أفقه منه ولكنه رجل شجاع مهيب في عدوكم فليعنه الفقيه منكم بفقهه. ثم مات وبايع أتباعه شبيبا ". بينما يذكر بعضهم ومنهم ابن الأثير وابن جرير الطبري أن شبيبا تولى أثناء حصار الخوارج في الحصن الذي ألجأهم إليه الحارث بن عميرة في تلك الليلة (١) وبعد مقتل صالح كما تقدم.
وتعرف هذه الفرقة أيضا بأصحاب السؤال، فإذا ذكر بعضهم أصحاب السؤال فالمقصود بهم الشبيبية، وقد نسبهم الأشعري إلى البيهسية، ونسبهم غيره إلى الصالحية.
وقد خالف شبيب صالحا في مسألة جواز تولي المرأة الإمامة العظمى؛ إذ كان شبيب يجيزها إذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم، ولهذا فقد تولت غزالة قيادتهم بعد مقتل شبيب.
وقد اشتهر شبيب بالشجاعة وخوض الحروب فقد دوخ بني أمية وهزم لهم أكثر من عشرين جيشا في خلال سنتين. وجه أول جيش إليه من قبل الحجاج بقيادة عبيد الله بن أبي المخارق ومعه ألف فارس فهزمهم شبيب، ثم وجه إليه الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمهم شبيب، ثم وجه إليه عتاب بن ورقاء التميمي فقتله شبيب هو وزهرة بن حوية.
ويذكر الشهرستاني أن شبيبا قتل من جيش الحجاج أربعة وعشرين أميرا كلهم أمراء الجيوش. فكم يكون القتل من أتباعهم؟! وقد استطرد الطبري وابن الأثير وغيرهما من المؤرخين في تفاصيل حروب شبيب وهي كثيرة تركت منها ما يتعلق بدقائق أخبار المعارك والخطط الحربية فيها وذكر المغامرين في اقتحامها، وكلها تشير إلى أنه قلما ينهزم شبيب في معركة إلا لحيلة أو الإعداد لكرة أخرى، في كل تلك المعارك التي خاضها مع جيوش الخلافة وحتى البدو لم يسلموا من شبيب؛ فقد أغار عليهم وأرهبهم في عدة غزوات لهم، وقد داهم الحجاج في عقر داره بالكوفة؛ فقد دخلها هو وأمه غزالة، أو زوجته في قول آخر، وخطبت على منبر الكوفة وفاء بنذرها، وصلى أيضا الصبح في مسجد الكوفة. وقد تنقل في ليلته تلك في أكثر من مساجد الكوفة لا يجد أحدا إلا قتله.
وقد خبأ الحجاج نفسه فلم يخرج تلك الليلة إلى أن اجتمع له أربعة آلاف من جنده ثم خرجوا يقتتلون في سوق الكوفة، حتى كثر القتل في أصحاب شبيب فانهزم إلى الأنبار وقد عير الحجاج بتلك الحادثة فقيل فيه:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربداء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
وفي السنة السابعة والسبعين من الهجرة أو الثامنة والسبعين (على قول) كانت نهاية شبيب إذ مات غريقا، وذلك أنه حين أراد الانصراف من قتال أهل الشام إلى الجهة الأخرى من جسر دجيل الأهواز أمر أصحابه فتقدموا أمامه وتأخر هو في آخرهم وفي أثناء عبوره كان راكبا على حصان وكانت أمام الحصان فرس أنثى فنزا فرسه عليها، فخرج حافره على حرف السفينة فسقط في الماء.
(١) انظر: ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٧)، ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٩–١١٠، ٢٢٣)، ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٣٩٦).