للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل في غرقه سبب آخر وهو ضعيف لا يعتد به، ومفاده أن بعض جيشه كان حانقا عليه لما قتل من أقوامهم فحين تخلف في آخر جيشه قال هؤلاء: ننتهز الفرصة ونقطع به الجسر فندرك ثأرنا، فنفدوا هذا الرأي وأغرقوه. وانتهت حركته وتفرق من بقي من أتباعه (١).

وفي عهد عمر بن عبد العزيز سنة ١٠٠هـ خرج بسطام اليشكري ويعرف بشوذب وهو رجل من بني يشكر خرج بالعراق، وكان الوالي على العراق عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. خرج بسطام في مكان يسمى جوخى ومعه ثمانون فارسا أغلبهم من ربيعة، ولما بلغ أمرهم إلى عمر كتب إلى عبد الحميد أن يبعث إليهم رجلا حازما وألا يحركهم بشيء إلا أن يسفكوا دما أو يفسدوا في الأرض، فبعث إليهم عبد الحميد محمد بن جرير في ألفي رجل من أهل الكوفة وأمره بما قال عمر.

ثم كتب عمر إلى بسطام يدعوه إلى الطاعة ويسأله عن سبب خروجه ويطلب إليه أن يبعث من قبله من يناظره لتظهر الحجة على أحدهما، فكتب بسطام إلى عمر قد أنصفت ثم بعث وفدا من قبله إلى عمر فتناظرا فظهرت الحجة لعمر ولكن وجهوا إلى عمر سؤالا محرجا قائلين له: " أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة بعدك؟ فاعتذر بأنه لم يوله هو وإنما ولاه غيره "، ولكن هذا الجواب لم يكن كافيا عندهم في هذه المسألة فقال له الخوارج: " أفرأيت لو وليت مالا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك؟ "، فقال لمن تولى المحاورة وكانا اثنين: أنظراني ثلاثا، فخرجا من عنده. وحين علم بنو أمية بهذا خافوا خروج الخلافة عنهم فيقال إنهم دسوا له سما فتوفي في تلك الأيام الثلاثة، ومناظرتهم مشهورة في كتب التاريخ. وبعد وفاة عمر أمر عبد الحميد محمد بن جرير بمناجزتهم قبل أن يبلغ الخوارج موت عمر وقبل أن يرجع وفدهم فعلموا حينذاك أن حدثا قد حدث في الخليفة وأنه قد مات، فحملت الخوارج على محمد بن جرير فهزموه شر هزيمة فأرسل لهم يزيد، تميم بن الحباب في ألفين ولما التقوا قال لهم تميم: إن يزيد لا يفارقكم على ما فارقكم عليه عمر، فلعنوه ولعنوا يزيد معه، ونشبت المعركة فانهزم تميم وجيشه، فوجه إليهم يزيد جيشا آخر بقيادة الشحاج بن وداع في ألفين فكان مصيره مصير من سبقه، وهكذا وقفوا كأنهم القدر المحتوم لا يستطيع أحد أن ينال منهم مطلبا إلى أن جاء مسلمة بن عبد الملك الكوفة فشكا أهلها إليه ما لاقوه من شوذب وخوفوا مسلمة منه، فأرسل مسلمة حينذاك قائدا شجاعا هو سعيد بن عمرو الحرشي في عشرة آلاف فارس، فالتقوا في معركة حامية الوطيس كانت فيها نهاية الخوارج؛ فقد أفنوهم عن آخرهم وانتهى بسطام وانتهت حركته (٢).


(١) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٦/ ٢٢٤ - ٢٨٤)، ((الكامل)) لابن الأثير (٤/ ٣٩٦ - ٤٣٣)، وانظر: ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٩–١١٢)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٨)، ((التنبيه والرد)) (ص٥٥)، وانظر: ((العقد الفريد)) (١/ ٢١٩–٢٢٠)، ((البداية والنهاية)) (٩/ ١٩)، ((مروج الذهب)) (٣/ ١٤٧).
(٢) ((تاريخ الطبري)) (٦/ ٥٥٥، ٥٥٦، ٥٧٥، ٥٧٨)، وانظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ٤٥ - ٤٨)، وانظر أيضاً (ص٦٨ - ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>