للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سنة ١٠٥هـ, خرج عقفان ومعه ثمانون رجلا في خلافة يزيد بن عبد الملك فأشير على يزيد أن لا يرسل جيشا لمحاربته بل يرسل إلى كل رجل مع عقفان رجلا من أقاربه حتى يرده عن الخروج بالاستعطاف والتلطف إليه، وفعلا نجحت هذه الخطة حتى بقي عقفان وحده فأرسل إليه يزيد أخاه فاستعطفه فرده عن الخروج، وانتهت فتنة كادت أن لا تنتهي إلا بضحايا كثيرة. فلما توفي يزيد وتولى هشام بن عبد الملك ولاه أمر العصاة فاشتد حتى أنه لم يرحم ولده الذي جاء من خراسان غاضبا على الخليفة فقد قبض عليه عقفان وأرسله إلى هشام مقيدا، فقال هشام: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه ثم عفا عنه لأبيه وولى عقفان أمر الصدقة (١).

وهذه هي الطريقة التي ينبغي اتباعها ولو أن خلفاء بني أمية سلكوا هذه الطريقة الحسنة لكان الأمر عكس ما وقع من فتن قتل فيها الآلاف المؤلفة بين مستحق وغير مستحق.

ثم خرج مسعود العبدي سنة ١٠٥هـ أيضا. هذا الخارجي يسمى مسعود بن أبي زينب العبدي ومكان خروجه البحرين، وقد أخذ في التوسع إلى أن بلغ اليمامة فخرج إليه عاملها سفيان بن عمرو العقيلي فالتقوا بالخضرمة واقتتلوا قتالا شديدا، وقتل مسعود فتولى بعده رجل يسمى هلال بن مدلج، واستمرت المعركة يوما آخر كاملا إلى أن جاء المساء فتفرق الخوارج منهزمين حتى بقي هلال ومعه جماعة قليلة تحصن بحصن كان هناك، ولكن لم يدم بقاؤه فيه فقد نصبت السلالم عليه وأخذ هلال فقتل واستأمن من بقي منهم (٢).وفي نفس السنة خرج مصعب بن محمد الوالبي، خرج هو ومن معه إلى أن وصلوا إلى مكان يسمى حزة من مقاطعة الموصل فأرسل لهم هشام جيشا فالتقوا هناك في معركة انتهت بقتل مصعب وكثير من الخوارج (٣).

ثم خرج الصحاري بن شبيب سنة ١١٩هـ. جاء هذا الرجل إلى خالد بن عبد الله والي العراق من قبل هشام بن عبد الملك يسأله الفريضة مع أهل الشرف فهزئ به خالد وقال: وما يصنع ابن شبيب بالفريضة؟، فلم يظهر الصحاري أي تغير ثم ودع خالدا وخرج، ولكن ذلك الخروج قد هز ضمير خالد فخاف أن يفتق عليه أمرا يكرهه فأرسل في طلبه من يرده فقال لهم: أنا كنت عنده آنفا فأبوا أن يتركوه فجرد سيفه عليهم فتركوه فذهب مستخفيا بنفسه إلى أن وصل إلى مكان يسمى جبل كما يقول الطبري، أو حبل كما يقول ابن الأثير، ينزله ناس من بني تيم اللات من ثعلبة فاستمالهم إليه فقبل منه بعضهم، وتوقف آخرون، وأبى غيرهم وقالوا: نحن في عافية، فخرج الصحاري بمن أطاعه وكانوا ثلاثين فارسا حتى أتى المناذر، وحين بلغ أمره خالدا قال: قد كنت خفتها منه فأرسل إليهم جيشا التحم معهم في معركة انتهت بالقضاء على الصحاري ومن معه جميعا (٤).

وفي هذه السنة أيضا خرج كثارة.

ويسمى بهلول بن بشر ويلقب كثارة، كان عابدا مجتهدا وكان على جانب عظيم من الشجاعة والخبرة الحربية، وكان السبب في خروجه أنه ذات يوم أرسل غلاما ليشتري له من أحد المحلات خلا بدرهم، فجاء الغلام بخل وكان قد التبس على صاحب المحل الاسم ولم يتأكد من الغلام فسارع وأعطاه خمراً، وحين جاء الغلام بالخمر إلى كثارة وقال لغلامه: ارجع فخذ الدرهم. فامتنع البائع من رد الدرهم.


(١) ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ١١٨).
(٢) ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ١١٨).
(٣) انظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ١١٨ - ١١٩).
(٤) ((تاريخ الطبري)) (٧/ ١٣٧ - ١٣٨)، ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>