للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد الله أن يتطور هذا النزاع فذهب كثارة إلى حاكم تلك المنطقة ليشكو أمره فأجابه الحاكم بغاية القسوة قائلا له: "الخمر خير منك ومن قومك. وعندها عقد بهلول العزم على الخروج ولكنه أخفى ذلك حتى يتم حجه، فذهب إلى مكة وفيها قابل بعض أصدقائه والذين يرون رأيه فعزموا على الخروج معه وتحت إمرته واتعدوا مكانا سموه من نواحي الموصل، فلما اجتمعوا في تلك القرية أجمع رأيهم على أن لا يمروا بأحد إلا قالوا له بأنهم راجعون من عند الخليفة هشام وأنهم ذاهبون إلى خالد لتولي بعض الأعمال وكانوا يأخذون في طريقهم دواب البريد إلى أن وصلوا تلك القرية التي اشترى فيها الخل. قال بهلول: نبدأ بهذا العامل فنقتله، وقال أصحابه: إن الغرض الأهم هو قتل خالد. فقال كثارة له: إني لأرجو أن أقتل هذا وخالدا فبدأ وقتله وبلغت أخبارهم خالدا فحذرهم الناس، ثم خرج خالد إلى الحيرة ومنها أرسل لهم ثمانمائة رجل، وعندما بدأت الحرب بينهم انهزموا أمام الخوارج. فلما وصلت أخبارهم خالدا بعث إليهم جيشا آخر يقوده رجل من بني شيبان وحين لقيهم بهلول شد عليهم فقال له ذلك القائد: نشدتك بالرحم فإني جانح مستجير فكف عنه. وانهزم أصحابه ثم طمحت نفس كثارة إلى قتل الخليفة هشام نفسه ما دام كثارة قد خرج لله، ثم عزم على السير لقتل هشام ولكن عمال هشام خافوا إن وصل كثارة إلى الشام أن ينتقم منهم الخليفة، فجند له خالد جندا من أهل العراق ومثله عامل الجزيرة، ووجه إليه هشام أيضا جندا من أهل الشام لاستغاثة عامل الموصل به، فبلغت الأمداد عشرين ألفا يقابلهم الخوارج وهم سبعون رجلا، كما ذكر المؤرخون، فنشبت معركة بينهم حامية قتل فيها كثارة وتفرق من بقي من أتباعه منهزمين إلى الكوفة، فتلقاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم (١).

ثم خرج الضحاك بن قيس سنة ١٢٧هـ، وقتل سنة ١٢٨هـ.

خرج الضحاك بالعراق وكثر أتباعه حتى بلغوا مائة وعشرون ألفا فاستولى على عدة مناطق، وكان ذلك في زمن مروان بن محمد بن محمد ولم يستطع أحد من قواد مروان إيقافه، وأخيرا قرر الضحاك الذهاب لملاقاة مروان فاجتمعوا في مكان من كفر نوثا يسمى الغز فدارت معركة قتل فيها الضحاك.

فولى الخوارج عليهم رجلا يسمى الخبيري صبيحة الليلة التي قتل فيها الضحاك، وبدأت معركة بين الخبيري وجند الخلافة وفيهم مروان نفسه، فانتصر الخبيري على القلب من جيش مروان حتى دخل فيهم ووصل إلى حجرة مروان، فانهزم مروان حتى خرج عن العسكر بستة أميال منهزما وكانت ميمنة مروان وميسرته ثابتة، فاقتحم بعض جيش مروان على الخبيري ومن معه فقتل الخبيري، وأخبر بذلك مروان فرجع. وانصرف أهل عسكر الخبيري، وولوا عليهم شيبان بن عبد العزيز ثم ارتحلوا من ذلك المكان، فتبعهم مروان يقيم عليهم إذا أقاموا ويحاربهم إذا حاربوا فصاروا يتنقلون من مكان إلى مكان وهم ينقصون ما بين متسلل بنفسه وبين مقتول، إلى أن تفرقوا وذهب كل إلى جهة فأخذ شيبان في بعض تلك الجهات فقتل بعمان (٢).


(١) ([٨٢٩٦]) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٧/ ١٣٠، ١٣٤). ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ٢٠٩ - ٢١٢).
(٢) ([٨٢٩٧]) ((تاريخ الطبري)) (٧/ ٣٤٥ – ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>