للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجله شتموا خيار الخلق ... بعد الرسل بالعدوان والبهتان

ولأجله قد خلدوا أهل الكبا ... ئر في الجحيم كعابد الأوثان

ولأجله قد أنكروا شفاعة المختا ... ر فيهم غاية النكران (١)

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن أهل البدع كالخوارج وغيرهم هم أهل أهواء وشبهات يتبعون فيما يحبون ويبغضون ما تحبه أنفسهم ويوافق أهواءهم من تأويلات فاسدة، " فكل فريق منهم قد أصل لنفسه ديناً وضعه إما برأيه وقياسه الذي يسميه عقليات، وإما بذوقه وهواه الذي يسميه ذوقيات، وإما بتأوله القرآن ويحرف فيه الكلم عن مواضعه ويقول إنه إنما يتبع القرآن كالخوارج". ولكن بدعة الخوارج كما يقولون: " كان قصد أهلها متابعة النص والرسول، لكن غلطوا في فهم النصوص وكذبوا بما يخالف ظنهم من الحديث ومعاني الآيات" (٢).ويقول ابن حجر عن انحراف الخوارج في التأويل مع كثرة العبادة والزهد: "وكان يقال لهم القراء لشدة احتياجهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك " (٣).وقد وصف ابن عباس الخوارج الذين اشتهروا بقراءتهم للقرآن وعبادتهم التي يبالغون في أدائها بأنهم "يؤمنون بمحكمه ويضلون عند متشابهه" (٤)؛ وذلك بسبب ما أخطؤوا فيه من تأويلات باطلة معتقدين صحتها، وبالتالي طبقوها في أقوالهم وأفعالهم التي تميزت بالانحراف البين في كثير من الآراء. وقد أرسله علي بن أبي طالب إليهم ليراجعهم ويطلب منهم العودة، فلما رجع قال له علي رضي الله عنه: " ما رأيت؟ فقال ابن عباس: والله ما سيماهم بسيما المنافقين، إن بين أعينهم لأثر السجود وهم يتأولون القرآن" (٥).وكان من نتيجة تأويلهم القرآن وتتبعهم لمتشابهه أن كفروا الناس وأئمة مخالفيهم؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله فاستحقوا الكفر - بزعمهم -، وهذا هو الباعث لهم على تكفير غيرهم فيما يراه سعيد بن جبير، كما أخرج عنه ابن المنذر أنه قال: "المتشابهات آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرأوهن، ومن أجل ذلك يضل من ضل، فكر فرقة يقرأون آية من القرآن يزعمون أنها لهم، فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول الله: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: ٤٤] , ثم يقرأون معها ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١] فإذا رأو الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر، فمن كفر عدل بربه، ومن عدل بربه فقد أشرك به؛ فهذه الأئمة مشركون" (٦).وقال السيوطي أيضاً ومثله الشوكاني: " وأخرج عبدالرازق وأحمد وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:٧] قال: " هم الخوارج" (٧).


(١) ((نونية ابن القيم)) (ص٨٥).
(٢) [٨٣٤٩])) ((النبوات)) (ص ٨٩).
(٣) ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٨٣).
(٤) ((الاعتصام)) (١/ ٥٥).
(٥) ((شرح نهج البلاغة)) (٣/ ٣١٠)
(٦) تفسير ((الدر المنثور)) (٢/ ٤).
(٧) رواه أحمد (٥/ ٢٦٢) (٢٢٣١٣)، والطبراني (٨/ ٢٧٢)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٢/ ٦٠). وانظر: ((الدر المنثور)) (٢/ ٥)، و ((فتح القدير)) (١/ ٣١٨). قال ابن كثير في ((تفسيره)) (٢/ ٧): أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي ومعناه صحيح. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٣٥٣) – كما أشار لذلك في مقدمته -.

<<  <  ج: ص:  >  >>