للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حاول علي يحيى معمر أن يوفق بين المثبتين للرؤية من السلف والنافين لها من الخوارج المعتزلة وغيرهم من أهل البدع فذهب إلى القول بأن بعض علماء أهل السنة يقولون بأن الرؤية معناها حصول كمال العلم بالله تبارك وتعالى. وعبر آخرون منهم بأن الرؤية – فيما يقول- تقع بحاسة سادسة هي كمال العلم. ثم قال: " واختلفت تعابير الكثير منهم ولكنها تتلاقى في النهاية على نفي كامل الصورة التي يتخيلها الإنسان لصورة رائي ومرئي، وما تستلزمه من حدود وتشبيه وتتفق في النهاية على الابتعاد عما يشعر بأي تشبيه في أي مراتبه بالمحدودية في كل أشكالها " (١).وقال مثبتاً رأي المعتدلين منهم في الرؤية: " المعتدلون من الإباضية لا يمنعون أن يكون معنى الرؤية هو كمال العلم به تعالى، ويمنعون الرؤية بالصورة المتخيلة عند الناس" (٢).

والواقع أن كمال العلم شيء والرؤية شيء آخر؛ لأن الرؤية انكشاف تام لا يكون إلا عن طريق الأبصار، أما كمال العلم فهو بالعقل. وتفسير الرؤية بالكمال في العلم تأويل للفظها بغير ما يستعمل به في العربية.

ثم إن الرؤية لا تستلزم التشبيه في جانب الله تعالى والاتصاف بأوصاف الحوادث التي ذكروها؛ لأنها رؤية الله كما يليق بذاته، ويجري الأمر في مسألة الرؤية على نحو ما يجرى عليه من صفات الله تعالى وأفعاله من تنزهه فيها عن مشابهة المخلوقين، وحيث لا تتساوى ذاته بذواتهم، فلا يلزم من رؤيتهم له ما يلزم من رؤية بعضهم لبعض.


(١) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٢٤٥).
(٢) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>