للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد حوت هذه المناظرة كثيرا من شروط المناظر، وضوابط المناظرة وطرق إحكام الرد وإفحام الخصم وذلك كالآتي:

شروط المناظر: ينبغي أن يختار المناظر اختيارا بأن يكون قوي الحجة، غزير العلم، ذكيا فطنا حاضر البديهة، حسن الجواب، حسن الخلق والهيئة، متواضعا حليما متأنيا، تقيا منصفا (١).

ولقد توافرت هذه الشروط في حبر الأمة عبدالله بن عباس، ووجد نفسه أهلا لذلك فاستأذن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمناظرتهم، فخاف علي عليه، فقال ابن عباس: "كلا" وعلل ذلك بما يتصف به من صفات من أنه رجل حسن الخلق لا يؤذي أحدا.

وقد اهتم بمنظره وهيئته إذ أول ما يطالع الخصم هيئة المناظر قبل حديثه، لذلك لبس رضي الله عنه حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجل.

ضوابط المناظرة، وطرق إحكام الرد وإفحام الخصم:

١ - اختيار الوقت المناسب للحوار والمناظرة، وقد اختار ابن عباس وقتا مناسبا ليتمكن من الحديث معهم دون مقاطعة من أحد أو انصراف من آخر، فاختار وقت فراغهم وعدم انشغالهم لا بالعمل ولا بالعبادة، فجاءهم وهم يأكلون، والطعام موضع حديث.٢ - اختيار المكان المناسب الذي يتيح للمعارض الحديث بحرية وأمان، فيظهر كل ما يعترض عليه وما يشكل عنده، إذ غرض المناظرة والحوار إيضاح موضع الإشكال وإزالة الشبهة، فسار ابن عباس رضي الله عنه إلى الخوارج في دارهم (٢).٣ - تحديد موضوع المناظرة، فينبغي أن يكون موضوعا محددا تدور حوله المناظرة، فإذا أجيب عنه انتقل إلى غيره، حتى لا يتشتت الذهن مع موضوعات شتى، وينبغي أن يصرح ويحدد موضوع المناظرة بوضوح حتى لا يقع إشكال من أحد الطرفين، لذلك حدد ابن عباس رضي الله عنهما مدار الحوار فقال: "هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه" (٣).٤ - الإقرار بما عند الخصم من الخير والحق، فابن عباس رضي الله عنه وصف اجتهادهم في العبادة ولم يكتمه، وهذا من الإنصاف والتجرد عن الهوى (٤).٥ - تذكير الخصم بالرغبة الصادقة في الحوار والاستماع إليه، وبيان أن الهدف هو الوصول إلى الحق، لذلك يبين ابن عباس سبب مجيئه فقال: "لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون" (٥).٦ - تحديد الأصل الذي يرجع إليه ويحتج به، وينبغي أن يكون متفق على صحته عند الخصمين، وقد حدد ابن عباس رضي الله عنه ذلك فقال: "أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ " (٦).٧ - توثيق المعلومات بالأدلة التي يحتج بها الطرفان (٧)، فابن عباس رضي الله عنه لا يذكر شيئا إلا ويستدل عليه من كتاب الله أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.٨ - استماع حجة الخصم كاملة، وعدم العجلة بالجواب حتى يعلم ما عند القوم كله، ويتصور مرادهم، ووجه اعتراضهم بشكل متكامل، ثم يجيبهم بجواب يقطع حجتهم، وهذا ما فعله ابن عباس رضي الله عنه فاستمع إلى اعتراضاتهم الثلاثة، ثم أجاب عنها واحدة واحدة (٨).


(١) انظر: ((الرد على المخالف)) لبكر أبو زيد (ضمن مجموعة الردود) (٥٧).
(٢) انظر ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (٢/ ٢٥) ((حوار الحضارات وطبيعة الصراع بين الحق والباطل)) لموسى إبراهيم البراهيم (٢٤٧).
(٣) انظر ((الرد على المخالف)) (٦٠).
(٤) انظر ((حوار الحضارات)) (٢٤٢)، ((الرد على المخالف)) (٦٢).
(٥) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٢٥).
(٦) انظر ((مناظرات أئمة السلف مع حزب إبليس وأفراخ الخلف دراسة وتحليلا)) لسليم الهلالي (٦٢،٦٤).
(٧) انظر ((حوار الحضارات)) (٢٤٣)، ((مناظرات أئمة السلف)) (٦٤)، ((الرد على المخالف)) (٦٦).
(٨) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٣١)، ((مناظرات أئمة السلف)) (٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>