للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففرقة منها قالت: إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب، وهو القائم، ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له، ولا خلف معروف ظاهر، لأن الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبتت إمامة الحسن بن علي، والرواية قائمة أن للقائم غيبتين فهذه الغيبة إحداهما، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى، وذهبوا في ذلك إلى بعض مذاهب الواقفة على موسى بن جعفر. وإذا قيل لهذه الفرقة: ما الفرق بينكم وبين الواقفة؟ قالوا: إن الواقفة أخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنه توفي عن خلف قائم أوصى إليه وهو الرضا رضي الله عنه، ولأنه رحمه الله عليه توفي عن بضعة عشر ذكرا، كل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة، وإنما القائم المهدي الذي يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف، فيضطر شيعته إلى الوقوف عليه إلى أن يظهر، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف، فقد صح أنه غاب.

وقالت الفرقة الثانية: إن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهدي، واعتلوا في ذلك برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن جعفر بن محمد، أنه قال: إنما سمي القائم قائما لأنه يقوم بعدما يموت، فالحسن بن علي قد مات ولا شك في موته، ولا خلف له، ولا وصي موجود، فلا شك أنه القائم، وأنه حي بعد الموت، لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر، فهو رضي الله عنه غائب مستتر، وسيظهر ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وإنما قالوا: إنه حي بعد الموت، وأنه مستتر خائف لأنه لا يجوز عندهم أن تخلو الأرض من حجة قائم على ظهرها، عدل حي ظاهر أو خائف مغمور، للخبر الذي روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في بعض خطبه: (اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك ظاهر أو مغمور، لئلا تبطل حججك وبيناتك). فهذا دليل على أنه عاش بعد موته. وليس بين هذه الفرقة والفرقة التي قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن علي رضي الله عنه، وأن الأولى قالت إنه غاب وهو حي وأنكرت موته، وهذه أيضاً شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر رضي الله عنه. وإذا قيل لهم: من أين قلتم هذا؟ وما دليلكم عليه؟ رجعوا إلى تأول الروايات.

وقالت الفرقة الثالثة: إن الحسن بن علي توفي ولا عقب له، والإمام بعده أخوه، جعفر، وإليه أوصى الحسن، ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة. فلما قيل لهم: إن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارعين متعاديين طول زمانهما، وقد وقفتم على صنايع جعفر ومخالفي الحسن، وسوء معاشرته له في حياته، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه، قالوا: إنما ذلك بينهما في الظاهر، فأما في الباطن فكانا متراضيين، متصافيين، لا خلاف بينهما، ولم يزل جعفر مطيعا له، سامعا منه، فإذا ظهر فيه شىء من خلافه فعن أمر الحسن، فجعفر وصي الحسن، وعنه أفضت إليه الإمامة. ورجعوا إلى بعض قول الفطحية في عبدالله وموسى, وزعموا أن موسى بن جعفر إنما كان إماما بوصية أخيه عبدالله إليه، وعن عبدالله صارت إليه الإمامة لا عن أبيه، وأقروا بإمامة عبدالله بن جعفر وثبوتها بعد إنكارهم لها وجحودهم إياها، وأوجبوا فرضها على أنفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم. وكان رئيسهم والداعي لهم إلى ذلك رجل من أهل الكوفة من المتكلمين يقال له علي الطاحي الخزار، وكان مشهورا في الفطحية، وهو ممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه، وكان متكلما محجاجا، وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزوينى، غير أن هذه أنكرت إمامة الحسن بن علي رضي الله عنه، وقالت: إن جعفرا أوصى أبوه إليه لا إلى الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>