وعلى هذا فإن دلالة هذا الحديث على المطلوب واضحة، فلو كانت المعرفة هي أول واجب على المكلف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها أولاً، ولما أمر بتوحيد الله في عبادته أولاً، لأنه لا يعقل أن يؤمر بعبادة الله من لا يقر به، وقد تقدم أن الإقرار به ومعرفته فطرية. وأما الحديث الثاني فدلالته أيضاً واضحة، ولكن أنقل هنا كلاماً لأبي المظفر السمعاني رحمه الله فقال بعد ذكره لهذا الحديث:"ومثل هذا كثير، ولم يرد أن دعائهم إلى النظر والاستدلال، وإنما يكون حكم الكافر في الشرع أن يدعى إلى الإسلام، فإن أبي وسأل النظرة والإمهال لا يجاب إلى ذلك، ولكنه إما أن يسلم أو يعطى الجزية أو يقتل، وفي المرتد إما أن يسلم وإما أن يقتل، وفي مشركي العرب على ما عرف. وإذا جعلنا الأمر على ما قاله أهل الكلام لم يكن الأمر على هذا الوجه، ولكن ينبغي أن يقال له - أعني الكافر – عليك النظر والاستدلال لتعرف الصانع بهذا الطريق، ثم تعرف الصفات بدلائلها، وطرقها، ثم مسائل كثيرة إلى أن يصل الأمر إلى النبوات، ولا يجوز على طريقهم الإقدام على هذا الكافر بالقتل والسبي إلا بعد أن يذكر له هذا ويمهل، لأن النظر لا يكون إلا بمهلة، خصوصاً إذا طلب الكافر ذلك، وربما لا يتفق النظر والاستدلال في مدة يسيرة فيحتاج إلى إمهال الكافر مدة طويلة تأتي على سنين ليتمكنوا من النظر على التمام والكمال، وهو خلاف إجماع المسلمين"(١).
٢ - ويقال للأشعرية ثانياً: قولكم إن النظر أول ما يجب على المكلف فيه مناقشة أيضاً من جهتين أخريين:
أولاهما: في نوع هذا النظر.
وثانيتهما: في إيجابه على كل المكلفين.
(١) رسالة (("الانتصار لأهل الحديث)) له – ضمن كتاب ((صوت المنطق والكلام)) للسيوطي (ص: ١٧٢) ونقله عنه أبو القاسم التيمي بإسناده عنه في كتابه ((الحجة في بيان المحجة)) (٢/ ١١٩).