للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك فإن بعض اليهود كانوا لا يقرءون التوراة إلا في هذه الترجمة اليونانية (١) ومن تأويلاتهم أنهم قالوا عن التوراة التي هي في جملتها تاريخ بني إسرائيل، وما أصابوا من نعم حين كانوا يرعون شريعة الله، وما عانوا من نقمة حين كانوا يعصونها: إنها تمثل قصة النفس مع الله، تدنو النفس من الله بقدر ابتعادها عن الشهوة فتصيب رضاه وتبتعد منه بقدر انصياعها للشهوة، فينزل بها سخطه.

وكانوا يؤولون الفصل الأول من "سفر التكوين" مثلا بأن الله خلق عقلاً خالصاً في عالم المثل هو الإنسان المعقول ثم صنع على مثال هذا العقل عقلا أقرب إلى الأرض (هو آدم) وأعطاه الحس (وهو حواء) معونة ضرورية له فطاوع العقل الحس وانقاد للذة الممثلة بالحية التي وسوست لحواء، فولدت النفس في ذاتها الكبرياء (وهو قابيل) وجمع الشرور وانتفى منها الخير (وهو هابيل) وماتت موتاً خلقياً. وأولوا عبور البحر الأحمر بأنه رمز لخروج النفس من الحياة الحسية، وسبعة أغصان الشمعدان بأنها رمز للسيارات السبع، وأولوا الحجرين الكريمين اللذين يحملهما الكائن الأكبر بأنهما رمز للشمس والقمر أو لنصفي الكرة الأرضية، والآباء الذين يعود إليهم إبراهيم بأنهم رمز للكواكب (٢).وأولوا إبراهيم بأنه (التنور) و (العقل)، وزوجته سارة بأنها الفضيلة، والفصح بأنه إما تطهير الروح أو خلق العالم (٣).أما فيلون فقد اصطنع هذا الضرب من التأويل، غير أنه يقف به عند حد، وإن كان يتابع الفلاسفة أحياناً على خلاف قصد الشريعة (٤)، وقد دفعه إلى اتخاذ هذا المذهب (التأويل الرمزي) الحملة التي قام بها المفكرون اليونانيون على ما في التوراة (العهد القديم) من قصص وأساطير ساذجة أو غير معقولة: مثل برج بابل، والحية التي أغرت حواء في الجنة وغيرها، فاضطر فيلون إلى الدفاع عن "التوراة" بتأويل هذه المواضيع الأسطورية وغير المعقولة الواردة في التوراة تأويلا بالباطن، ورأى أن التأويل بالباطن هو روح النص المقدس، وأن التفسير بالمعنى الحرفي هو مجرد جسم هذا النص المقدس للنص سيؤدي حتماً إلى الفكر والإحالة (٥).ويذكر أميل ابريهيه أن التأويلات التي ذكرها فيلون باعتبارها مأثورة تتناول تقريبا كل الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، أي التوراة، وأنه بلا ريب مجرد حالة عرضية أن نجد الأكبر عدداً من هذه التآويل يتصل بحياة إبراهيم، ولكن توجد أخرى عن آدم والجنة, وعن يوسف وعن الخروج وعن المعجزات, وعن صلاة موسى وغير ذلك (٦).


(١) ((تاريخ الفلسفة اليونانية)) (ص٢٤٧) , د. يوسف كرم.
(٢) ((تاريخ الفلسفة اليونانية)) (ص٢٤٨).
(٣) ((مذاهب الإسلاميين)) (٢/ ١٢).
(٤) ((تاريخ الفلسفة اليونانية))، (ص٢٤٩).
(٥) ((مذاهب الإسلاميين)) (٢/ ١٢).
(٦) ((الآراء الدينية والفلسفية)) لفيلون الإسكندري، (ص٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>