للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل طائفة تجعل ما تنفيه من الصفات من مقتضيات التوحيد، وهذا اضطراب وتناقض ظاهر.

ج- الرد على الأشاعرة في قولهم في مسمى التوحيد:

وقد جاءت ردود شيخ الإسلام عليهم في ذلك كما يلي:

١ - بيان ما في أقوالهم من الحق والباطل – وقد تقدم بيان ذلك قريبا -.٢ - أن هؤلاء الأشاعرة اتبعوا المعتزلة والجهمية في ذلك، مع أن شيخهم ابن كلاب ينكر قول من يقول: إن الواحد لا صفة له، فإنه قال بعد بيانه: أن الله بائن من خلقه، ليس داخلا في خلقه، ولا خلقه داخلون فيه: "فإن قالوا: فيعتقبه الطول والعرض؟ قيل لهم: هذا محال، لأنه واحد لا كالآحاد، عظيم لا تقاس عظمته بالمخلوقات، كما أنه كبير عليم، لا كالعلماء، كذلك هو واحد عظيم لا كآحاد العظماء، فإن قلت: العظيم لا يكون إلا متحيزا؟ قيل لك: والعليم لا يكون إلا متحيزا، وكذلك السميع والبصير، لأنك تقيس على المخلوقات" (١)، يقول شيخ الإسلام معقبا: "وكان كثير من متكلمة الصفاتية من أصحاب الأشعري ونحوهم فسروا الواحد، والتوحيد، بنحو تفسير المعتزلة وغيرهم من الجهمية، ولم يفسروه بما ذكره ابن كلاب ولا بغير ذلك" (٢). ولاشك أن أئمة الأشاعرة المتقدمين كالأشعري وغيره يثبتون لله صفات العلو والاستواء والصفات الخبرية، ولا تقتضي عندهم تشبيها، كما أن إثباتها لا يعارض ما يقولون به من التوحيد لله تعالى.٣ - أن قولهم: إن الواحد هو الذي لا ينقسم ولا يتجزأ وليس بجسم، ليس معروفا في لغة العرب، بل المعروف في لغة العرب أنهم يطلقون على كثير من المخلوقات أنه واحد وهو جسم، بل "لا يوجد في لغة العرب، بل ولا غيرهم من الأمم استعمال الواحد، الأحد، الوحيد إلا فيما يسمونه هم جسما ومنقسما كقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر: ١١]، وقوله تعالى: وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء: ١١]، وقوله وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ [الكهف: ٣٢] – إلى قوله - قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف: ٣٧]، وقوله: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ [البقرة: ٢٦٦]، وقوله تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: ٤٩] ... والعرب وغيرهم من الأمم يقولون: رجل ورجلان اثنان، وثلاثة رجال، وفرس واحد وجمل واحد، ودرهم واحد، وثوب واحد ... فلفظ الواحد وما يتصرف منه في لغة العرب وغيرهم من الأمم لا يطلق إلا على ما يسمونه هم جسما منقسما لأن ما لا يسمونه هم جسما منقسما ليس هو شيئا يعقله الناس، ولا يعلمون وجوده حتى يعبروا عنه" (٣)، وفي موضع آخر يذكر شيخ الإسلام نصوصا عديدة من الكتاب والسنة، ويعلق عليها. فيقول في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء: ١]: "ومعلوم أن النفس الواحدة التي خلق منها زوجها هو آدم، وحواء خلقت من ضلع آدم القصيراء، من جسده خلقت، لم تخلق من روحه، حتى يقول القائل الوحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها. وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام، وقد سماها الله نفسا واحدة، علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة" (٤).


(١) نقلاً عن ((نقض التأسيس)) – المطبوع – (١/ ٤٦٨).
(٢) نقلاً عن ((نقض التأسيس)) – المطبوع – (١/ ٤٦٨ - ٤٦٩).
(٣) ((درء التعارض)) (٧/ ١١٤ - ١١٦).
(٤) ((نقض التأسيس)) – المطبوع – (١/ ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>