للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الملاحظات الدقيقة التي يبديها أئمة السلف معلقين على مثل هذه العبارات لأجل ما فيها من الإيهام – تدل على حرصهم الشديد على تصفية العقيدة من أكدار التعطيل والتشبيه، وهذا يدل على ما في مثل عبارة الأشاعرة – حين يقولون: إن الله واحد في صفاته لا شبيه له، وخاصة إذا أبانوا عن مقصودهم بها وأنه إنكار علو الله واستوائه وتأويل بقية صفاته عدا الصفات السبع التي أثبتوها – من الإجمال والإيهام والضلال.١١ - وأئمة الأشاعرة أقروا بأن إطلاق مثل هذه العبارات غير دقيق، وأن القول بنفي التشبيه مطلقا يؤدي إلى إنكار صفات الله تعالى، يقول الجويني في نفي أن الله يشبه الحوادث أو يشبهه شيء منها: "والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين، فقد غلطت طائفة في النفي فعطلت، وغلت طائفة في الإثبات فشبهت، فأما الغلاة في النفي فقالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه، وقالوا عن هذا: القديم سبحانه لا يوصف بالوجود، بل يقال: ليس بمعدوم، وكذلك لا يوصف بأنه قادر، عالم، حي، بل يقال: ليس بعاجز، ولا جاهل، ولا ميت، قال: وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية، فأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم الحوادث" (١)، ثم قال الجويني: "فأما الرد على الفلاسفة فمن أوجه: أحدها: الاتفاق على أن السواد يشارك البياض في بعض صفات الإثبات من الوجود، والعرضية، واللونية، ثم هما مختلفان، وكذلك الجوهر والعرض، والقديم والحادث، لا يمتنع اشتراكهما في صفة واحدة مع اختلافهما في سائر الصفات، ويقال لهم: أتثبتون الصانع المدبر أم لا تثبتونه؟، فإن أثبتوه لزمهم من الحكم بإثباته ما حاذروه فإن الحادث ثابت، فاستويا في الثبوت" (٢).فالجويني مع أنه يقول بتماثل الأجسام، وأن الاختلاف إنما هو في الأعراض، ومع ما في القول بتماثل الأجسام وأن الثلج مماثل للنار من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، من مخالفة الحس والعقل (٣)، إلا أن قوله بأن القديم والحادث يستويان في الثبوت، ورده على الغلاة الذين قالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه: "تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات، فكيف يمكن أن يقال مع هذا: إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه، وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء؟ ... " (٤).


(١) ((درء التعارض)) (٥/ ١٨٦ - ١٨٧)، والنص لم أجده في الإرشاد كما قد توحي به عبارة شيخ الإسلام في أول الكلام، وللجويني كلام طويل في هذه الموضوعات – في ((الشامل))، انظر: (ص: ٢٨٧ - ٣٤٢).
(٢) ((درء التعارض)) (٥/ ١٨٨ - ١٨٩).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ١٩٢).
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>