للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠ - عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في حجة الوداع، حتى إذا كنا بعسْفان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العمرة قد دخلت في الحج، فقال له سراقة: يا رسول الله علِّمنا تعليم قوم كأنما ولدوا اليوم، عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد. فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرنا بمتعة النساء. فرجعنا إليه فقلنا: أن قد أبينَ إلاّ إلى أجل مسمى. قال: فافعلوا. قال: فخرجت أنا وصاحب لي، عليّ برد وعليه بُرد، فدخلنا على امرأة، فعرضنا عليها أنفسنا، فجعلت تنظر إلى برد صاحبي فتراه أجود من بُردي، وتنظر إليّ فتراني أشبّ منه. فقالت: بُرد مكان بُرد، واختارتني فتزوجتها ببردي، فبتّ معها تلك الليلة. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما أعطاها شيئاً، ويفارقها، فإن الله عز وجل قد حرّمها عليكم إلى يوم القيامة)) (١).وكان التابعون يسمون المتعة الزنا الصريح، فقد ذكر سعيد بن منصور في (سننه) (أن عروة بن الزبير كان ينهى عن نكاح المتعة ويقول: هي الزنا الصريح) (٢).وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن الغار قال: (سمعت مكحولاً يقول في الرجل تزوج المرأة إلى أجل، قال: ذلك الزنا) (٣).وأيضاً في (المصنف ٧/ ٥٠٢ - ٥٠٣) عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: إني لأرى تحريمها في القرآن. قال: فقلت: أين؟ فقرأ عليّ هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:٥ - ٦] (٤).

ويذكر لنا الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ١٤/ ١٩٩) , وابن خلّكان في (وفيات الأعيان ٥/ ١٩٩)، موقف القاضي الفقيه يحيى بن أكثم من المأمون عندما نادى بتحليل المتعة: عن محمد بن منصور واللفظ لأبي العَيْناء قال:

كنّا مع المأمون في طريق الشام، فأمر فنودي بتحليل المتعة.

فقال يحيى بن أكثم لي ولأبي العَيْناء: بَكّرا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل .. فدخلا عليه في حال غيظه فسكتا.

فجاء يحيى بن أكثم فجلس وجلسنا. فقال المأمون ليحيى: ما لي أراك متغيراً؟ فقال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا. قال: الزنا؟! قال: نعم المتعة زنا. قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله عز وجل وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: قدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ ... إلى قوله: فمَن ابْتغى وَراء ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ العَادُون [المؤمنون:١ - ٧] يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: قد صار متجاوز هذين من العادين.

وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها.

فالتفت إلينا المأمون فقال: أمحفوظٌ هذا من حديث الزهري؟

فقلنا: نعم يا أمير المؤمنين .. رواه جماعة منهم مالك رضي الله عنه. فقال: أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة فنادوا بها ...


(١) رواه أحمد (٣/ ٤٠٤) (١٥٣٨١) والطبراني (٧/ ١٠٨) (٦٥١٤) , والحديث أصله في مسلم (١٤٠٦).
(٢) رواه سعيد ابن منصور في ((سننه)) (١/ ٢١٩).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٥٥٢).
(٤) ((مصنف عبد الرزاق)) (٧/ ٥٠٤)، ((سنن البيهقي)) (٧/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>