للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: شوقنا الله إلى الجنان وما أعد فيها لأوليائه، فنحن نرجو ذلك، فقال: حق على الله أن يعطيكم ما رجوتم.

ثم جاوزهم، فمر بآخرين يتعبدون، فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المحبون لله لم نعبده خوفا من نار، ولا شوقا إلى جنة ولكن حبا له وتعظيما لجلاله، فقال: أنتم أولياء الله حقا، معكم أمرت أن أقيم، فأقام بين أظهرهم وفي لفظ آخر قال للأولين: مخلوقا خفتم، ومخلوقا أحببتم. وقال لهؤلاء: أنتم المقربون (١). (ويستخلص من هذا أن الصوفية المسلمين لم يجدوا حرجا في الاستماع إلى مواعظ الرهبان وأخبار رياضاتهم الروحية والإستفادة منها، رغم أنها صادرة عن نصارى، ونحن نجد فعلا كثيرا من أخبار رياضات الرهبان وأقوالهم في ثنايا كتب الصوفية وطبقات الصوفية (٢).

وقبل هذا كتب الدكتور البدوي في هذا الكتاب الذي اقتبسنا منه الأسطر الأخيرة، والذي دافع فيه عن التصوف دفاعا شديدا، وحاول فيه محاولة فاشلة لإثبات أصول التصوف ومصادره في الإسلام، ومن تعاليمه، كتب فيه: (الاختلاط بين المسلمين والنصارى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق ونجران وخصوصا في مضارب القبائل العربية التي انتشرت فيها المسيحية قبل الإسلام وبعده: بنو تغلب، قضاعة، تنوخ، وتتحدث بعض الأحبار عن أن بعض الصوفية المسلمين الأوائل كانوا يستشيرون بعض الرهبان النصارى في أمور الدين: كما يروي عبد الواحد بن زيد، والعتابي، وأبي سليمان الداراني (٣).

وهذه هي الأشياء التي جعلت نيلكسون الإنجليزي، وفون كريمر الألماني، وجولد زيهر النمساوي يضطرون إلى أن يقولوا، واللفظ للأول: (ويجب ألا ننسى في هذا المقام أثر المسيحية في الزهد الإسلامي في العصر المبكر فإن الأمر لم يقتصر على اللباس وعهود الصمت وكثير من آداب طريق الزهد التي يمكن ردها إلى أصل مسيحي، بل إننا نجد في أقدم كتب تراجم الصوفية – إلى جانبي الحكايات العديدة التي تمثل الراهب المسيحي يلقي المواعظ في صومعته أو عموده على زهاد المسلمين السائحين في الصحراء – أدلة قاطعة على أن مذاهب هؤلاء الزهاد كانت إلى حد كبير مستندة إلى تعاليم وتقاليد يهودية ومسيحية. ومن ذلك آيات كثيرة من التوراة والإنجيل مذكورة بين الأقوال المنسوبة إلى أولياء المسلمين، وأن القصص الإنجيلية التي كان يقصها رهبان المسيحيين على طريقتهم الخاصة كان يتلهف على قراءتها المسلمون: مثال ذلك المجموعة المعروفة باسم الإسرائيليات التي يقال إن وهب بن منبه (المتوفى سنة ٦٢٨ م) قد جمعها، وكتاب (قصص الأنبياء) الذي كتبه الثعالبي (المتوفى سنة ١٠٣٦ م)، وهذا الأخير لا يزال موجوداً (٤).وأما قضية المصطلحات التي روجوها بين الناس، واستعملوها فيما بينهم فلا يشك أحد في كونها أجنبية في الإسلام ولغة الإسلام العربية، ومقتبسة مأخوذة من المسيحية بحروفها وألفاظها، معانيها ومدلولاتها مثل: (ناموس، رحموت، رهبوت، لا هوت، جبروت، رباني، روحاني، نفساني، جثماني، شعشعاني، وجدانية، فردانية، رهبانية، عبودية، ربوبية،، ألوهية، كيفوية (٥).


(١) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٥٦).
(٢) ((تاريخ التصوف الإسلامي)) للدكتور عبد الرحمن بدوي (ص٣٥) ط وكالة المطبوعات بالكويت ١٩٧٨ م.
(٣) أيضا (ص٣٣، ٣٤).
(٤) في ((التصوف الإسلامي وتاريخه)) (ص٤٧)، أيضا ((تاريخ الأفكار الواردة في الإسلام)) لفون كريمر (ص٥٢)، أيضا ((المجلة الملكية الآسيوية)) مقال جولد زيهر.
(٥) ((تاريخ التصوف الإسلامي)) للبدوي (ص٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>