للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد كان الخواص لا يقيم في بلد أكثر من أربعين يوما، ويرى أن ذلك علّة في توكله، فيعمل في إختبار نفسه وكشف حاله. وحدثنا عن بعض الشيوخ قال: (لبثت في البرية أحد عشر يوما لم أطعم شيئا (١).كما يقول: (خرجت طائفة الأبدال إلى الكهوف تخلّيا من أبناء الدنيا (٢).

ونقل السهروردي عن إبراهيم الخواص أنه ما كان يقيم في بلد أكثر من أربعين يوما، وكان يرى: إن أقام أكثر من أربعين يوما يفسد عليه توكله، فكان علم الناس ومعرفتهم إياه سببا ومعلوما.

وحكى عنه أنه قال: مكثت في البادية أحد عشر يوما لم آكل، وتطلعت نفسي أن آكل من حشيش البر، فرأيت الخضر مقبلا نحوي فهربت منه، ثم التفت فإذا هو رجع عني، فقيل: لم هربت منه؟.قال: تشوفت نفسي أن يغيثني، فهؤلاء الفرارون بدينهم (٣).

ونقل الشعراني عن عدي بن مسافر الأموي الذي قال فيه: هو أحد أركان الطريقة وأعلى العلماء بها، والذي نقل فيه عن الشيخ عبد القادر أنه قال:

لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها عدي بن مسافر، يقول عنه الشعراني: أنه أقام أول أمره زمانا في المغارات والجبال والصحاري مجردا سائحا يأخذ نفسه بأنواع المجاهدات، وكانت الحيات والهوام والسباع تألفه فيها (٤).

وكذلك ينقل الشعراني عن شيخه أمين الدين أنه قال:

(كان شخص من أرباب الأحوال بناحية شان شلمون بالشرقية جالسا في البرية، وقد حلّق على نفسه بزرب شوك، وعنده داخل هذه الحلقة الحيات والثعالب والثعابين والقطط والذئاب والخرفان والأوز والدجاج).

هذا ومثل هذا كثير في كتب الطبقات العربية والفارسية والأردية، وكتب اللغات الأخرى التي ألفت تراجم الصوفية.

وأما الجلوس في الخانقاوات، وملازمة الربط والتكايا والزوايا فهو من لوازم التصوف، فإن الصوفية خصصوا أبوابا مستقلة في كتبهم لبيان فضائل ملازمتها، والمكوث فيها، كما أنهم بيّنوا فيها آداب الخلوة والدخول إليها والمكوث فيها. كما قال السهروردي: (إعلم أن تأسيس هذه الربط من زينة هذه الملة الهادية المهدية، ولسكان الربط أحوال تميزوا بها عن غيرهم من الطوائف، وهم على هدى من ربهم (٥).

وذكر الصوفي المشهور الكمشخانوي في كتابه (جامع الأصول في الأولياء) آداب الخلوة، فيقول:

(للدخول في الخلوة آداب وشروط، منها:

أن يستأذن الشيخ في دخول الخلوة.

أن يدخل الشيخ الخلوة ويصلي فيها ركعتين قبل دخول المريد.

أن يدخلها كما يدخل المسجد مقدّما رجله اليمنى، مبسملا متعوذا.

أن تكون الخلوة مظلمة لا يدخلها شعاع الشمس ولا ضوء النهار.

أن لا يستند إلى جدار الخلوة.

الصوم.

أن يعتقد في نفسه أنه إنما يدخل الخلوة لكي يستريح الناس من شره.

أن لا يتكلم مع أحد في الخلوة أو خارجها إلا مع شيخه.

إذا خرج إلى الصلاة أو الوضوء فليغطِّ رأسه ورقبته بشيء مطرقا إلى الأرض غير ناظر إلى أحد. دوام تخيل صورة شيخه، وهو الرابطة بينه وبين خالقه ... فإنه إذا همّ بمعصية يتمثل له الشيخ فينزجر عن فعلها - إلى آخر الكلام (٦).

وأما التشابه بين الذكر الصوفي وذكر الطوائف الهندية فهو كما ذكر القشيري:


(١) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٢٠٧).
(٢) أيضا (٢/ ١٥٢).
(٣) ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص١٢٦)، أيضا ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٢٠٧) ط دار صادر بيروت.
(٤) ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (١/ ١٣٦، ١٣٧).
(٥) ((عوراف المعارف)) للسهروردي (ص١١١).
(٦) انظر ((جامع الأصول في الأولياء)) لأحمد الكمشخانوي النقشبندي ط المطبعة الوهبية الشام ١٢٩٨ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>