للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(المبتدئ في الأحوال يجب أن يسكن حواسه ولا يحرك أنفاسه ولا يحرك بدنه، ولا يحرك جزء منه ولا يردد طرفه ولا شيئا، ويكون مراعيا لهمته، ولا يحرك البتة جزء من نفسه ولا من بدنه ولا من باطنه حتى تبدو الأحوال له بعد طول المراعاة.

ثم يجب ألا ينظر إليها ولا إلى ما يبدو له البتة لئلا يحجب عنها، فلا يزال في المزيد منها إن شاء الله تعالى. قال: وهذا الطريق الذي هو طريق الله تعالى لا بدّ فيه من طول المجاهدة ومقاساة ما يحتمله الأسماع والقلوب من الشدائد لو حلّت بها ... وكنت أحيانا في بدو المجاهدة وأحوال الذكر لو استتر مني في السماء لكان الستر علي أهون من أن أقوم للأكل، وأتحرك للوضوء والفرض لأنه كان يعيب عني الذكر (١).

وذكر الشعراني عن سيده البدوي أنه لازم الصمت، وما كان يكلم الناس إلا بالإشارة (٢).

وملازمة الصمت من العادات البوذية كما يظهر من تماثيل بوذا.

وكذلك ذكر الشعراني أيضا عن سيده عبد الرحمن المجذوب أنه كان ثلاثة أشهر يتكلم، ثلاثة أشهر يسكت (٣).

وهناك عقيدة بوذية تسمى سمادهي ( SAMADHI) وهذه آخر درجات الذاكر يفنى فيها ذاته في الذات الإلهي (٤).

يذكر نفس هذا الشيء صوفي مشهور بحرق الحضرمي في رسالته (ترتيب السلوك)، فيقول: من لم يتيسر له شيخ، وأراد دخول الخلوة فليقدم الاغتسال، وغسل ثيابه ومصلاه، ويهيئ أسبابه بحيث لا يحتاج إلى الخروج، ويرتب لحوائجه من قوت وغيره ... ثم ليلازم الجوع فيكون صائما مقتصرا على قدر معلوم من الطعام والماء مقتصدا لا يزيد عليه أبدا، وليلازم السهر فلا ينام إلا في وقت معلوم، وليلازم الذكر فيقتصر على ملازمة ذكر واحد.

ينطق بذلك الذكر بعينه بحيث يظن من يسمعه أن معه في خلوته ألف ذاكر لله، ثم يغلب عليه حال الذكر فلا ينظر في الوجود شيئا يقع عليه نظره إلا معلنا بذلك الذكر بعينه بحيث لو كان عنده ألف شخص، كل منهم يذكر بذكر مخالف للآخر لم يسمعهم ينتطقون إلا بذكره الذي غلب عليه، وحينئذ يبقى منتظرا لما يفتح الله به على قلبه من رحمته وعلم غيبه، وأول ما يظهر غالبا أنوار إلهية كأنها البرق الخاطف تلمع بسرعة، ويختفي وهي لذيذة جدا يحصل بوجودها الوجد، وباختفائها الحنين إليها، وبما غشيته أنوارها.

ثم يصير قلبه كالمرآة المجلوة فيكون مقابلا للجناب القدس، فيصير كل شيء كأنه مشاهد للحق سبحانه علما وحالا فانيا عن نفسه، فضلا عن خيرها، فحينئذ يعبد الله كأنه يراه ويشهده (٥).

وأما الفناء في الشيخ فيذكر الشعراني في كتابه (الأنوار القدسية): (اعمل أيها المريد على أن تتحد بشيخك، فيكون ما عنده من المعارف عندك على حدّ سواء ويكون تميزه عليك إنما هو بالإضافة لا غير، قال: وقد قال لي الشيخ أبو الحسن الشاذلي يوما: يا أبا العباس، ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت (٦).

وأما تعذيب النفس، وحبس الدم، والرياضات الشاقة فمنها ما ذكرناها أثناء الوقائع التي سردناها آنفا.


(١) ((رسالة ترتيب السلوك من الرسائل القشيرية)) (ص٧٦، ٧٧) ط المعهد المركزي للأبحاث الإسلامية إسلام آباد باكستان.
(٢) ((طبقات الشعراني)) (ص١٨٢).
(٣) ((طبقات الشعراني)) (٢/ ١٤١).
(٤) The Buddha And The Criste P. ٨٤ By B.H Streeter London ١٩٣٢.
(٥) (( ترتيب السلوك إلى ملك الملوك)) لجمال الدين محمد بن عمر بحرق الحضرمي (ص٢٤٨، ٢٤٩) ط جامعة بنجاب لاهور باكستان.
(٦) ((الأنوار القدسية)) لعبد الوهاب الشعراني (٢/ ٢١) ط إحياء التراث العربي بغداد العراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>