للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حجر رحمه الله: ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله)) قال الشوكاني: وجه ذلك أن النكرة وقعت في سياق النفي فتعم كل ما يصدق عليه معنى الشيء، فلا يبقى شيء من القرب إلا وهو داخل في هذا العموم، لأن كل قربه كائنه ما كانت يقال لها شيء، سواء كانت من الأفعال أو الأقوال، أو مضمرات القلوب أو الخواطر الواردة على العبد أو التروك للمعاصي التي هي ضد فعلها.

قال الطوفي: الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشتركت مع الفرائض في تحصيل الثواب، فكانت الفرائض أكمل، فلذا كانت أحب إلى الله، وأشد تقربا، فالفرض كالأس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على وجه المأمور به امتثال الأمر واحترمه وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل.

قال الشوكاني رحمه الله: واعلم أم من أعظم فرائض الله سبحانه ترك معاصيه التي هي حدوده، التي من تعداها كان عليه من العقوبة ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، ولا خلاف أن الله افترض على العباد ترك كل معصية كائنة ما كانت، فكان ترك المعاصي من هذه الحثيثة داخلا تحت عموم قوله: ((وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من مما افترضت عليه)) بل دخول فرائض الترك للمعاصي أولى من دخول فرائض الطاعات كما يدل عليه حديث ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فلا تقربوه)) (١) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وحسن النية فيما عند الله عز وجل (٢)،والمقصود أن أهل السنة، يزكون أنفسهم بعد التوحيد بتكميل الفرائض من فعل الواجبات وترك المحرمات، فلا يفتحون على أنفسهم أبواب النوافل، وهم بعد مقصورون في أداء الفرائض، كما يذهب كثير من الناس إلى الحج والعمرة كل عام ولا يؤدون زكاة أموالهم، أو يهتمون ببناء المساجد وينفقون في أبواب البر لا بنية الزكاة الواجبة في المصارف الثمانية التي حددها الله عز وجل ويصح هنا قول القائل: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور. والله عز وجل لا يقبل النفل حتى تؤدي الفريضة، فأهل السنة يزكون أنفسهم بالمشروع، ومع ذلك يقدمون في العمل ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((نبدأ بما بدأ الله به ثم تلا إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ [البقرة: ١٥٨])) (٣)

ومن تلبيس الشيطان على العبد أن يشغله بالعمل المفضول عن الفاضل، وقد ظهر أن الفرائض أفضل وأنفع للعبد من النوافل، فينبغي أن يكمل العبد فرائضه أولا، ثم يزداد تقربا وتحببا إلى الله عز وجل بالنوافل.

٣ - التزكية بالنوافل

النوافل هي ما عدا الفرائض من جميع أجناس الطاعات، وكل ما ندب الله سبحانه إليه ورغب فيه من غير حتم وافتراض، وتختلف النوافل باختلاف ثوابها، فما كان ثوابه أكثر كان فعله أفضل، وتختلف كذلك باختلاف ما ورد في الترغيب فيها، فبعضها قد يقع الترغيب فيه ترغيبا مؤكدا، وقد يلازمه النبي صلى الله عليه وسلم مع الترغيب للناس في فعله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه)).


(١) رواه مسلم (١٣٣٧) بلفظ (فدعوه) بدل (فلا تقربوه) فإننا لم نجدها.
(٢) ولاية الله والطريق إليها (٣٦٩) بتصرف واختصار.
(٣) رواه الترمذي (٢٩٦٧) واللفظ له، ورواه أبو داود (١٩٠٥) والنسائي (٢٩٦١) وابن ماجه (٣٠٧٤) وابن حبان (٣٩٤٣) قال الترمذي حسن صحيح، وصححه الألباني

<<  <  ج: ص:  >  >>