للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ رحمه الله: وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة؟ والجواب أن ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها، ويؤيده أن رواية أبي أمامة: ((ابن آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك)) (١).

قال الفاكهاني: معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله.

قلت: ويفهم منه أن العبد إذا قصر في الفرائض وأكثر من النوافل لا تكون هذه الطريق موصلة له إلى محبة الله عز وجل: فلا يتم التقرب بالنوافل حتى يتقرب أولا بالفرائض، فهذه سبيل التزكية عند أهل السنة.

وقال ابن هبيرة: ويؤخذ من قوله: ((ما تقرب ... إلخ)) أن النافلة لا تقدم على الفريضة، لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرائض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهي وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة خلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين، وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض، كما صح في الحديث ((انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته)) (٢) الحديث بمعناه.

فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها.

وقال الشوكاني رحمه الله: إن العبد لما كان معتقدا لوجوب الفرائض عليه، وأنه أمر حتم يعاقب على تركها، كان ذلك بمجرده حاملا له على المحافظة عليها والقيام بها، فهو يأتي بها بالإيجاب الشرعي والعزيمة الدينية، أما النوافل فهو يعلم أنه لا عقاب في تركها فإذا فعلها كان ذلك لمجرد التقرب إلى أرب خاليا، عن حتم عاطلا عن حزم، فجوزي على ذلك بمحبة الله له، وإن كان أجر الفرض أكثر، فلا ينافي أن تكون المجازاة بما كان الحامل عليه هو محبة التقرب إلى الله أن يحب الله فاعله لأنه فعل ما لم يوجبه الله عليه، ولا عزم عليه بأن يفعله.

ومثال هذا في الأفعال المشاهدة في ابن آدم أن السيد إذا أمر عبده بأن يقضي له في كل يوم حاجة أو حوائج، وكذلك أمر من له من الممالك بمثل ذلك، فكان أحدهم يقضي له تلك الحوائج ثم يقضى له حوائج أخرى يعلم أن سيده يحب قضاءها وتحسن لديه، والآخرون لا يقضون له إلا تلك الحوائج التي أمرهم السيد بها، فمعلوم أن ذلك العبد الذي صار يأتي له كل يوم بما أمره به وبغيره مما يحبه، يستحق المحبة من السيد محبة زائدة على محبته لكل واحد منهم، فالمراد من الحديث هذه المحبة الزائدة الحاصلة من فعله لما يحبه سيده من غير أمر منه، مع قيامه بما قام به غيره من امتثال أمر السيد والتبرع بالزيادة التي لم يأمره بها (٣).

وهذه مجموعة من نوافل الطاعات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكر بها من كمل فرائضه وأحب أن يزداد زكاة ومحبة لله عز وجل.


(١) رواه الطبراني (٧٨٩٦) قال الهيثمي في ((المجمع)) (٢/ ٢٤٨) فيه علي بن يزيد ضعيف، وقال أبو حاتم منكر كما في علل ابنه (١٨٧٢)
(٢) رواه أبو داود (٨٦٤) والترمذي (٤١٣) والنسائي (٤٦٥) وابن ماجه (١٤٢٦) والحاكم (٩٦٥) قال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه وقال الحاكم صحيح الإسناد، وصححه الألباني.
(٣) ولاية الله والطريق إليها (٤١٩) (بتصرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>