للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ- أما الحجة الأولى: للأشاعرة – وهي أن ضد الكلام الخرس والسكوت – وأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده ... فيقال فيها ما يلي:١ - أن أصحابهم المتأخرين – كالرازي والآمدي – خالفوهم في هذا (١).٢ - أن القاعدة الكلية التي ذكروها، وهي "أن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده – باطلة، لأن هذه لا يجوز أن تدعى إلا في حق الله خاصة، أما المخلوق فإنه إذا كان قابلا للشيء كان وجود القبول فيه من غيره وهو الله تعالى، وإحداث الله لذلك القبول لا يجوز أن يكون مقارنا للقابل، بل يجوز أن يتوقف على شروط يحدثها الله، وعلى موانع يزيلها، فوجود القبول هنا ليس منه (أي من المخلوق) فلم تكن ذاته كافية فيه، وأما الرب تعالى فلا يفتقر شيء من صفاته وأفعاله على غيره، بل هو الأحد الصمد المستغني عما سواه ... " (٢)، وقد شرح هذا بالنسبة لله فقال: "تقرير الحجة بأن يقال: لأن الرب تعالى إذا كان قابلا للاتصاف بشيء لم يخل منه أو من ضده، أو يقال: بأنه إذا كان قابلا للاتصاف بصفة كمال لزم وجودها له؛ لأن ما كان الرب قابلا له لم يتوقف وجوده له على غيره، فإن غيره لا يجعله لا متصفا ولا فاعلا، بل ذاته وحدها هي الموجبة لما كان قابلا له" (٣).وإذا تقررت هذه الحجة فإنها تكون دالة على قدم صفة الكلام، وأنه تعالى لم يزل متكلما، بل تكون دالة على قدم جميع صفاته، وأن ذاته مستلزمة لجميع صفات الكمال – مما لا نقص فيه بوجه من الوجوه – ومن ذلك صفة الكلام لأن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم (٤).ويقرر شيخ الإسلام – هذه الحجة على وفق مذهب السلف فيقول: "يقال: إما أن يكون قادرا على الكلام أو غير قادر، فإن لم يكن قادرا فهو الأخرس، وإن كان قادرا ولم يتكلم فهو الساكت" ثم بين أن الكلابية لا يمكنهم أن يحتجوا بهذه الحجة لأن الكلام عندهم ليس بمقدور – ثم أكمل الحجة فقال: "لكن (هل) مدلولها قدم كلام معين بغير قدرته ومشيئته؟ أم مدلولها أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته؟ والأول قول الكلابية، والثاني قول السلف والأئمة وأهل الحديث والسنة، فيقال: مدلولها الثاني لا الأول؛ لأن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقال للمحتج بها: لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاما يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته، فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئا لا يعقل؟ " (٥).

وبهذا تكون هذه الحجة دليلا على إثبات صفة الكلام لله وقدم نوعه وأن الله يتكلم إذا شاء متى شاء خلافا للأشعرية.٣ - أن دعوى أنه "لو لم يتصف بالكلام لاتصف بالخرس والسكوت إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات، فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلما فإما أن يكون قادرا على الكلام ولم يتكلم، وهو الساكت، وإما أن لا يكون قادرا عليه، وهو الأخرس. وإما ما يدعونه من "الكلام النفساني" فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتا أو أخرس، فلا يدل بتقدير ثبوته (على) أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتا أو أخرس" (٦)، وإذا كان الكلام النفساني الذي ادعوه غير متصور، فالسكوت والخرس إنما يتصور إذا تصور الكلام، وهؤلاء – في الكلام – يشبهون النصارى في الكلمة (٧).


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٣).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٤).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٣).
(٤) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٤).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٤ - ٢٩٥).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٥).
(٧) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>