للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الرابع: نستنتج من قصة إبراهيم بن أدهم بأنه بالمجاهدة والصبر يحصل النور الذي يعرف به الحق والباطل والناسخ والمتشابه. وأنا أقول إن مجرد المجاهدة والصبر مهما كانت لا يمكن أن تعلم الإنسان لابد من التعلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما العلم التعلم)) (١). نعم الاجتهاد في طلب علمي الكتاب والسنة والصبر فيهما يجعل قلب الإنسان منورا لأن العلم ور والجهل ظلام فالاجتهاد في العلم الذي جاء به رسول الله من عند الله وهو علم الكتاب والسنة الذي من تعلمه عرف الحق من الباطل والله عز وجل يقول فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [محمد: ١٩]

فالله عز وجل أمر بالعلم قبل العمل بخلاف المتصوفة فإنهم يأمرون بالعمل على الجهل من أجل الحصول على العلم الذي يزعمون بأنه يقذف في قلوبهم بسبب المجاهدة.

الأمر الخامس: نأخذ من قول أسلم بن يزيد لإبراهيم بن أدهم: " يا غلام إنا قد أفدناك ومهدناك وعلمناك علما" بأن للمتصوفة طريقا آخر يتلقون منه العلوم غير العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه حسب زعمهم وقد صرح المتصوفة بأن هناك علما آخر غير العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله ومما يدل على هذا قول الغزالي فقد قسم العلوم إلى أقسام وذكر من جملة الأقسام علم يسمى "علم المكاشفة" فقال: "القسم الأول: علم المكاشفة: هو علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله .. وهو علم الصديقين والمقربين أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة .. " ثم قال: " فنعني بالعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجرى مجري العيان الذي لا يشك فيه وهذا ممكن في جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا وإنما نعني بعلم طريق الآخرة العلم بكيفية تصقيل هذه المرأة عن الخبائث التي هي الحجاب عن الله سبحانه وهذه العلوم التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله وهو المشارك فيه سبيل المذاكرة وبطريق الإسرار وهذا هو العلم الخفي الذي يوصف بالعلم المكنون فقد قيل في وصفه أن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى. (٢).


(١) أخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخه)) (٩/ ١٢٧) والطبراني في ((الأوسط)) (٣/ ١١٨) (٢٦٦٣) قال الهيثمي في ((المجمع)) (١/ ١٢٨) فيه محمد بن الحسن بن ابي يزيد وهو كذاب وقال البوصيري في ((الإتحاف)) (١/ ٤٦) في إسناده روا لم يسم، وذكره الألباني في ((السلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٣٤٢).
(٢) ((الإحياء)) (١/ ٣١ـ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>