للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي "اعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب العزة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة الأمور مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة. فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفزيغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى والاختلاء في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب ويجلس فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره بل يجتهد في الصبر أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى فلا يزال العبد بعد جلوسه في الخلوة قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه ثم يصبر عليه إلى أن ينمحي أثره عن اللسان وهكذا يصبح متعرضا لنفحات رحمة ربه فر يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذا الطريق وعند ذلك إذا صدقت إرادته وصفت همته وحسنت مواظبته فلم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا تلمع لوامع الحق في قلبه ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف لا يثبت" (١).

وهكذا الغزالي قد تأثر بأفكار المتصوفة إلى حد بعيد حتى أصبح من أبرز علمائهم حيث ذكر في كتابه (الإحياء) كلاما عن الصوفية لا يمكن أن يقبله مسلم له علم بالكتاب والسنة.

والشاهد من كلام الغزالي السابق إثبات بأن القوم يدعون بأنهم يتلقون علوما أخرى غير العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا نعلم بأن القوم يبحثون عن الهداية خارج الكتاب والسنة وهذا هو الأمر الذي ضل القوم بسببه حيث أن كل من يطلب الهداية عن غير الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمصيره التيه والضلال المبين. ويقول عبد الكريم الجيلي واصفا كتابه (الإنسان الكامل): " وكنت قد أسست الكتاب على الكشف الصريح وأيدت مسائله بالخبر الصحيح وسميته بالإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل " ثم يقول: " فأمرني الحق الآن بإبرازه بين تصريحه وألغازه ووعدني بعموم الانتفاع فقلت طوعا للأمر المطاع" (٢).

وكلام عبد الكريم الجيلي السابق مضمونه هو أنه يقول إنه تلقى المعلومات التي ضمنها كتابه عن طريق الكشف من الغيب وأن الله أمره بإظهار هذا الكتاب بما فيه من ألفاظ صريحة وألغاز معقدة وأن الله وعده بعموم الانتفاع به وأنه أجاب لهذا الأمر فأظهره.

وما كتاب الجيلي حتى يأمره الله بإظهاره فهو كتاب من أوله إلى آخره لا يحتوي إلا على الكفر والزندقة وسأورد منه نصوصا حينما أتعرض لعقيدة المتصوفة تجاه من يزعمونهم أولياء في الباب الرابع إن شاء الله تعالى.


(١) ((الإحياء)) (٣/ ٢١).
(٢) ((الإنسان الكامل)) لبعد الكريم الجيلي (ص: ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>