للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن عربي" نحن بحمد الله لا نعتمد في جميع ما نقوله إلا على ما يلقيه الله تعالى في قلوبنا لا على ما تحمله الألفاظ"وقال أيضا: " اعلم أن العارفين رضي الله عنهم لا يتقيدون في تصانيفهم بالكلام فيما بوبوا عليه فقط وذلك لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز لهم منها فمهما برز لهم كلام بادروا لإلقائه على حسب ما حد لهم فقد يلقون الشيء إلى ما ليس في جنسه امتثالا لأمر ربهم وهو تعالى يعلم حكمه ذلك" (١).

فإذا نظرنا إلى هذه النصوص فسنجد أن النص الأول صرح فيه ابن عربي بأنه هو وأتباعه من المتصوفة الكبار يلقي الله عز وجل علوما في قلوبهم وأنهم لا يتقيدون بما تدل عليه الألفاظ فقط لأن الوقوف على المعاني التي تدل عليها الألفاظ ظاهرا إنما هو من اختصاص علماء الظاهر أو علماء الرسوم كما يسمونهم.

وأما النص الثاني فقد صرح فيه ابن عربي بأن علوم المتصوفة لا يحصلون عليها عن طريق الفكر وإنما تلقى عليهم من الله إلقاءا مباشرة فهي هبة من الله تعالى.

وأما النص الثالث فقد صرح فيه ابن عربي بأن قلوب المتصوفة عاكفة على باب الحضرة الإلهية وإنها تراقب هذه الحضرة حتى تأخذ عنها أي شيء يظهر منها ولذا فإنهم يبادرون بإلقاء أي كلام يلقى عليهم من قبل الحضرة الإلهية وأنهم لا يضعون هذا الكلام إلا على حسب ما حدد الله لهم ولذلك فقد يضع مشايخ المتصوفة الكلام في غير جنسه امتثالا لأمر الله تعالى كما يزعمون. ووصف الرندي علم المتصوفة الذي يحصلون عليه عن طريق كشوفاتهم المزعومة فقال (٢):"والعلم المخزون هو العلم اللدني الذي اختزنه الله عنده فلم يؤته إلا للمخصوصين من الأولياء" ثم أورد حديثا مكذوبا على الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الرسول قال: ((إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به لا ينكرونه إلا أهل الغرة بالله)) (٣).وقد شرح أحد المتصوفة هذا النص فقال: " هي أسرار الله تعالى يبديها الله إلى أنبيائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها أحد إلا الخواص" (٤).وقال الرندي أيضا: " وربما أطلعك على غيب ملكوته وحجب عنك الاستشراف على أسرار العباد" (٥).

والنتيجة التي توصلنا إليها من خلال إيرادنا لهذه النصوص هي إثبات بأن المتصوفة يدعون التلقي عن الله مباشرة علوما خاصة بهم مخزونة عند الله وأن هذه العلوم لا يكشفها الله إلا لهم لأنهم خصوا أنفسهم بالأولياء وهم لا يطلقون هذا اللفظ إلا لمن انخرط تحت لواء إحدى الطرق الصوفية وأن هناك علما مكنونا وهو لا يعلمه إلا العلماء بالله يعنون بهذا أنفسهم وأن هذه العلوم هي عبارة عن أسرار الله وأنه سبحانه لا يظهرها إلا للأنبياء والأولياء وأن الحصول على هذه العلوم لا يحتاج إلى دراسة ولا سماع بل تلقى في القلب القاءا وهي علوم خاصة بالخواص من البشر وهم زعماء الطرق الصوفية كما يزعمون.


(١) ((اليواقيت والجواهر في عقيدة الأكابر)) للشعراني (٢/ ٢٤ ـ ٢٥).
(٢) ((غيث المواهب العلية)) للرندي (٢/ ٢٣٨).
(٣) قال ابن تيمية في ((درء التعارض)) (٥/ ٨٥) ليس له إسناد صحيح، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (١/ ٣٩) إسناده ضعيف، وقال الألباني في ((الضعيفة)) (٨٧٠) ضعيف جدا
(٤) ((غيث المواهب العلية)) للرندي (٢/ ٢٣٨).
(٥) ((غيث المواهب العلية)) للرندي (٢/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>